الخميس , 20 مارس 2025 - 20 رمضان 1446 هـ 2:41 مساءً
ترجمة: دينا الغامدي، إسراء الغامدي، منار السليمي، فرحة البوعينين، مريم البوعينين.
اعمل بجد وانجح لتسعد، على الأقل هذا ما تعلمهُ الكثير منّا من آبائهم ومعلميهم وزملائهم أيضًا، ففكرة أننا لابد أن ننجح لنشعر بالسعادة مكرسة في أعظم الوثائق الأمريكية (إعلان الاستقلال الأمريكي) ومعتقداته (الحلم الأمريكي) وحكاياته (روكي وسندريلا)، معظمنا يرون السعادة لذا نطارد النجاح وكأننا نجري خلف السراب معتقدين بأن السعادة والرضا تكمن وتتمحور فقط في الالتحاق بالجامعة أو العمل في وظيفة الأحلام أو الحصول على الترقية أو قبض مرتب عالٍ، لكن النجاح والسعادة دائمًا ما يبدوان بعيدي المنال لمن يلهث خلفهما، وهنا تكمن المشكلة إذ تبدو المعادلة عكسية.
تنص فرضيتنا على أن السعادة تسبق النجاح الوظيفي وتؤدي إليه، لا العكس، وترتبط السعادة في علم النفس بـ ”الرفاهية الذاتية“ و”العواطف الإيجابية“ (تستخدم هذه المصطلحات بالتبادل)، فمن يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الرفاهية يشعرون بالرضا عن حياتهم، وتغلب عليهم المشاعر الإيجابية أكثر من السلبية، وتشير الأبحاث إلى أن المشاعر الإيجابية كالحماس والبهجة والصفاء تعزز النجاح في بيئة العمل.
دعونا ننظر أولًا إلى الدراسات المستعرضة التي تدرس الأشخاص من جانبٍ محدد، وتسمح للباحثين بتحديد ما إذا كانت السعادة مرتبطة بالنجاح أم لا، ومقارنةً بزملائهم كالحِي الوجوه، يتبين أن أسعد الناس هم أكثرهم رضا عن وظائفهم، إذ يتلقون دعمًا اجتماعيًا أكبر من زملائهم في العمل، ويمنحهم رؤساؤهم تقييمات أداء أفضل، وتجدر الإشارة إلى أن الرؤساء قد يمنحون الموظفين السعداء تقييمًا أعلى بسبب تأثير الهالة، فيؤثر الانطباع الإيجابي عن الموظف في جانب واحد (كمظهره السعيد دائمًا) على تقييمه في أحد الجوانب الأخرى (ككفاءته في العمل)، فيقال مثلًا: ”تيم يبدو سعيدًا دائمًا، مما يعني تميزه في عمله أيضًا“، وتشير بعض الأدلة إلى أن المبتهجين يؤدون مهام عملهم أداء أفضل، وقد وجدت إحدى الدراسات المهمة أن وكلاء المبيعات ذوي الانطباع الجيد، باعوا بوالص التأمين على الحياة بنسبة 37% أكثر من زملائهم الأقل إيجابية.
يرتبط مفهوم السعادة أيضًا بإتقان العمل في مجالات أخرى، فيبذل الإيجابيون كل ما بوسعهم لمؤسساتهم؛ ويقل تغيبهم عن العمل أو الاستقالة من وظائفهم، ويكسب المبتهجون رواتب أعلى ممن هم أقل ابتهاجًا.
إلا أن لمثل هذا البحث المستعرض حدود، إذ لا يمكنه تحديد أي من السعادة أم النجاح يأتي أولًا، وهنا يمكن للدراسات الطولية أن تساعد، لأنها تتابع الناس على مدى أيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات لمعرفة تغيرهم على مرِّ الزمن، ووفقًا للدراسات السابقة فإن من يبدأ سعيدًا ينتهي به الحال ناجحًا أيضًا، وكلما زاد رضا الشخص في أول حياته، زادت احتمالية وضوح نوع الوظيفة التي يريدها وطلبات التوظيف التي يقدمها وعثوره على وظيفة، وقد توصلت دراسة رئيسية إلى أن الشباب الذين تمتعوا برفاهية أعلى مِن زملائهم قبل التخرج من الكلية رشحوا لمقابلات عمل بعد ثلاثة أشهر.
تُنبِئ المشاعر الإيجابية بالإنجازات والمكاسب الآجلة، فأظهرت إحدى الدراسات أنه من المرجح أن يعمل السعداء البالغون من العمر ١٨عامًا في وظائف مرموقة ومرضية وأن يشعروا بالأمان المادي بحلول سن 26 عامًا، وفي دراسة أخرى تبين أن الأشخاص الأكثر ابتهاجًا عند دخولهم الكلية يكسبون دخلًا أعلى من غيرهم.
ولكن إثبات أن السعادة سابقة للنجاح لا يكفي، بل نريد أن نعرف ما إذا كان أحدهما سببًا للآخر أم لا؟ قد يكون ثمة متغيرات لا تقاس مثل الذكاء والانفتاح التي تؤثر في الرفاهية وأداء العمل، فعادةً ما يكون المنفتحون أكثر دخلًا وسعادة من غيرهم.
يمكن للتجارب المصممة جيدًا التحكم في هذه المتغيرات، فمثلًا اختارت الدراسات بعض الأشخاص عشوائيًا وعرضتهم لمواقف تشعرهم بالحيادية أو الإيجابية أو السلبية، ثم قيس أداؤهم في مهام وظيفية، فأظهرت هذه التجارب أن من يشعرون بالعواطف الإيجابية يضعون أهدافًا أكثر طموحًا، ويستمرون في تحدي المهام لفترة أطول، وينظرون إلى أنفسهم والآخرين بإيجابية، ويؤمنون بنجاحهم، وتبدو توقعات السعداء المتفائلة واقعية أيضًا؛ ففي مهام الترميز الكتابي ومهام استبدال الأرقام، يكون أداء الإيجابيين أفضل ويكونون أكثر إنتاجية ممن تسيطر عليهم المشاعر المحايدة أو السلبية، وتشير نتائج الأدلة التجريبية إلى أن السعداء يتفوقون على من هم أقل سعادة، وأن سلوكهم الإيجابي ربما يكون السبب في ذلك.
ومن خلال مراجعتنا لأكثر من ١٧٠ دراسة مستعرضة وطولية وتجريبية اتضح بأن السعادة تعزز النجاح الوظيفي بعدة طرق، وهذا لا يعني أن التُعساء لا يمكن أن ينجحوا قط، فحين يقرأ حزينٌ هذه السطور ويظن أن عليه أن يبتهج لكي ينجح، فيبعد أن يساعده هذا في تحقيق أي شيء! بل إن التاريخ يثبت بأن المكتئبين مثل أبراهام لينكولن وونستون تشرشل قادرون على تحقيق مآثر مذهلة، ثم إن المشاعر الإيجابية والسلبية تتأقلم مع المواقف، فهناك وقت للحزن، مثلما هناك وقت للسعادة.
ولذا فإننا نُحذر قادة الأعمال أو المدراء الذين يقرؤون هذه المقالة من توظيف السعداء فقط أو الضغط على الموظفين ليبدوا اكثر تفاؤلًا، إذ أدت مثل هذه الاستراتيجيات إلى نتائج عكسية في الماضي، مثل ما حدث مع الموظفين في سلسلة متاجر السوبر ماركت الأمريكية ”تريدر جوز“ حين فُرضت عليهم أنشطة للترويح عن النفس ولكن المُثير للسخرية بأن هذه السياسات جعلت الموظفين أكثر بؤسًا، ولذلك على الأفراد والشركات تعزيز السعادة بطريقة صحية وذلك بتقديم نشاطًا إيجابيًا مثل إبداء اللطف والتعبير عن الامتنان.
ذكر الفيلسوف برتراند راسل في عام 1951: ”إن الحياة الجيدة كما أتصورها حياة سعيدة، لا أعني أنك إذا كنت بخير ستصبح سعيدًا، وإنما إذا كنت سعيدًا ستكون بخير“ وإننا نؤيد هذا المقولة لاسيما حين يتعلق الأمر بترك بصمتك الخاصة في عملك، فإذا أردت النجاح فاصنع سعادتك بنفسك ولا تنتظرها.