السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:55 صباحاً
"الوضع حرج!" عبارةٌ لطالما تكرّرت على أسماعنا في حوارنا المعتاد عن التغير المناخي، عبارةٌ تدل على إدراكنا بعدم قدرتنا على تجنبه، فقد وقع بالفعل. ولكن جلّ ما نأمله هو تقليل التغير المناخي بالحفاظ على متوسط التغيرات في درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية حتى نتجنب عواقبه الوخيمة على الحضارة العالمية. ذكرت اللجنة الدولية للتغيرات المناخية: "ما زال يمكننا ذلك من الناحية الجسدية، إلا أن تحقيق هذا الهدف بثبات يتطلب إجراء تغييرات سريعة ونظامية على نطاقات غير مسبوقة".
بصرف النظر عن الإمكانية الجسدية، قد تُغتفر شكوك الشخص العاديّ اليقِظ والملم حول مسألة الإمكانية السياسية. ولكن ما الذي يجب أن تكون عليه رسالة عالم المناخ، والناشط البيئي، والسياسي النزيه، والمخطط المندفع - أولئك الذين لم يمنعهم الكلل من إزاحة جميع الحواجز؟ إنها أهم القضايا التي تواجه مجتمع المعنيين بالمناخ. نعلم ماذا يحدث، ونعلم ما يجب علينا فعله، ولكنّ السؤال هو كيف نقنع أنفسنا به.
نشهد الآن ظهور نوعين من الاستجابات. يعتقد أحد الفريقين - سنطلق على أعضائه اسم "المتفائلون" - أن الأهم هو أن نغرس في أذهاننا الإمكانية المطلقة للتغلب على التحدي المقبل. نعم، من الممكن أن نفشل أيضًا، ولكن لمَ نفكر في ذلك؟ فالشك هو المخاطرة بنبوءة تتحقق بذاتها. تطرّق ويليام جيمس إلى جوهر هذه الفكرة في محاضرته "إرادة الإيمان" (١٨٩٦): في بعض الأحيان، عندما يواجه المرء قفزةً أو خطوةً حاسمة، يبرهن الإيمان ذاته؛ حيث أن الشك قد يُفقِد المرء توازنه.
يزعم الفريق الآخر "المتشائمون" أن تأييد إمكانية الفشل -أو ربما أرجحيته- أمر لا يمكن تجنبه. بل إنه في الواقع قد يفتح آفاقًا جديدة للتفكر. ففي حالة التغير المناخي، فإنه قد يحثنا - على سبيل المثال - التركيز على التكيف إلى جانب التخفيف، ولكن هذا يعتمد على حقائق الأمر؛ وما يرشدنا في الطريق إلى تلك الحقائق هي الأدلة لا الإيمان. فبعض الثغرات واسعة لا يمكن قفزها على الرغم من الإيمان، والطريقة الوحيدة لتحديد هذه الثغرات هي النظر قبل القفز.
ثمة سوء ظن في الطرف المعارض على هوامش هذين الفريقين؛ حيث يتهم بعض المتفائلين المتشائمين بضعف الإيمان بالقضاء والقدر، بل حتى بالإنكار الخفي، فيقولون: إن كان الأوان قد فات على النجاح، لمَ نتكبد العناء؟ وعلى هامش الفريق المتشائم، يدور الشك حول أن المتفائلين يستهينون عمدًا بخطورة التغير المناخي، حيث يزعمون بأن المتفائل يدرك حراجة الأمر لكنه يخشى من وقع الحقيقة على الناس.
لِنضع أولئك الأشخاص جانبًا. يتفق كلا المتفائلون والمتشائمون على الحل، وهو اتخاذ إجراء فوري وصارم، ولكن الأسباب التي تقود إلى الحل تختلف طبعًا باختلاف توقعات النجاح. يلجأ المتفائل إلى مصلحتنا الذاتية عندما يحاول إقناعنا بإمكانية تخفيف التغير المناخي. إن تقديم رسالة متفائلة بشأن التغير المناخي بالمعنى الذي أعنيه هنا هو القول بأن كلًا منا سيكون له الخيار. يمكننا إما الاستمرار بعنادٍ في سعينا لتحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة الأمد وإفساد النظم البيئية التي تدعم احتياجاتنا، وتلويث الماء والهواء، ومواجهة نوعية حياة متضائلة في نهاية المطاف، أو يمكننا تبنيّ مستقبل مشرق ومستدام. يُقال إن تخفيف التغير المناخي هو حل مربح للطرفين. غالبًا ما تُقدم الاقتراحات، مثل الاتفاقية البيئية الجديدة (GND)، على أنها استثمارات حكيمة واعدة. وفي الوقت ذاته، يحذر التقرير الصادر عن اللجنة العالمية للتكيّف من أنه على الرغم من حاجتنا إلى استثمار بقيمة تريليون دولار لتجنب "التمييز المناخي"، إلا أن التكلفة الاقتصادية لعدم قيامنا بأي شيء ستكون أكبر؛ حيث ستوفر العدالة المناخية المال. يمكن أن ينهار هذا البعد البيئي تحديدًا في ظل النموذج هذا. والحل هو تحليل التكلفة مقابل الفائدة، وقد نلجأ أيضًا إلى إزالة الضرر.
إن هذا النوع من التعزيز البيئي له تأثير ضئيل على أولئك الذين يدعمون "تشاؤم البصيرة وتفاؤل الإرادة"، مثل الماركسي الإيطالي أنتونيو غرامشي. يقول المتشائم: توقع الفشل، ولكن حاول على أية حال. ولكن لماذا؟ تفقد جاذبية عوائد الاستثمار فاعليتها عندما تقل احتمالية النجاح. لذا يجب على المتشائمين تقديم جذب من نوع آخر. وفي غياب فائدة خارجية متوقعة، لا يبقى سوى الإصرار على كفاءة الاختيار الداخلية للإجراء المُتخذ. وفي مقالته الأخيرة التي لم تلقَ رواجًا حول هذه المسألة في صحيفة نيويوركر، ذكر الروائي الأمريكي جوناثان فرانزين: "العمل لوقف التغير المناخي جدير بالمتابعة وإن لم يكن له تأثير على الإطلاق".
عادةً ما يرتبط الإجراء السليم في حد ذاته بإيمانويل كانط. حيث جادل بأن العقل البشري العملي يتعامل مع الضرورات أو القواعد؛ فكلما نفكر فيما يجب فعله، نستند إلى حلول مختلفة لاتخاذ الإجراء. فإذا أردت الوصول إلى مقر عملي في الوقت المحدد، ينبغي علي ضبط المنبه. إن معظم ضروراتنا اليومية افتراضية؛ أيّ أنها تتبع البنية 'إذا - فإنّ'؛ حيث يؤكد العنصر السابق 'إذا' ضرورة اللاحق 'فإنّ'. إذا كنت لا أبالي في الوصول إلى العمل في الوقت المحدد، فإني لن أحتاج لضبط المنبه. تنطبق هذه القاعدة علي فقط من الناحية النظرية، ولكن يزعم كانت بأن هذه القاعدة تنطبق علي - وعلى جميع ذوي العقل العملي - بصرف النظر عن الرغبة الشخصية. إن قواعد الصواب والخطأ هذه لا تحكم نظريًا بل بلا استثناء. وعلى هذا النحو، ينطبق الأمر علي أيضًا. فسواءً كنت مبالٍ أو غير مبالٍ بسرّاء البشر وضرّائهم، علي ألا أكذب أو أغش أو أسرق أو أقتل.
قارن هذه الفكرة بمبدأ التبعية، يعتقد التبعي أن الصواب والخطأ يرتبطان بتبِعات العمل، وليس بطابعهما الخاص. على الرغم من أن الكانطيين (أتباع كانط) والتبعيين غالبًا ما يتفقون على حلول معينة، إلا أنهم يقدمون أسبابًا مختلفة؛ فحين يزعم التبعيون بأن العدالة جديرة بالسعي طالما تحقق نتائجًا مثمرة، يعتقد الكانطيون أن العدالة قيّمة في حد ذاتها، وأننا نتحمل التزامات العدالة حتى وإن كانت عديمة الجدوى. ولكن يعتقد التبعيون أن الأمر الأخلاقي ما هو إلا نوع آخر من الضرورات الافتراضية.
أكثر الاختلافات إثارة للاهتمام - وربما مصدر الكثير من الشك المتبادل - بين المتفائلين والمتشائمين هو ميل المتفائلين إلى التبعية والمتشائمين إلى كانت فيما يتعلق بالحاجة إلى العمل المناخي. كم من المتفائلين سيكونون على استعداد للقول بأننا يجب أن نبذل جهودنا للتخفيف وإن لم يكن كافيًا لمنع الآثار الكارثية؟ ماذا لو اتضح أن الاتفاقية البيئية الجديدة (GND) ستؤثر في نهاية المطاف النمو الاقتصادي على المدى الطويل؟ ماذا لو كان التمييز المناخي مناسبًا ماليًا وسياسيًا للدول الغنية؟ هنا أنحاز إلى جانب المتشائم الكانطي، الذي يرد: إن العلّة في الرأسمالية الجشعة والتمييز المناخي وعدم قيامنا بأي شيء لا تكمن في المقام الأول في الآثار على الناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل، بل هي مسألة عدالة.
لنفترض أن الممارسات الضارة ستستمر؛ أيّ أن نوافذ العمل ستصغر إذا استمر حجم التغيير المطلوب في الزيادة زيادة تعجيزية بينما نواصل باستهتار ضخّ ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. هل نتوقع التحول من التبعية المناخية إلى الكانطية المناخية؟ هل سيبدأ التبعيون بمعالجة هذه العامل الضئيل ولكن بالغ الاهتمام حتى وإن كان ميؤوسًا منه؟ تمتد الخلافات بين التبعية والكانطية إلى ما وراء حدسهم الأخلاقي إلى حدسهم الواقعي. لدى التبعي شكوك حول تأثير الإرشاد الأخلاقي تحديدًا، وهذا الشك هو منبع انتقاد شائع لأخلاقيات كانط، وهو أنه يعتمد على افتراض وردي بأننا نحن البشر نتمتع بالقدرة على العمل الأخلاقي النزيه.
يتعامل كانط مع المسألة بجدية، حيث يتكرر موضوع الدافع الأخلاقي في كتاباته. ولكنه توصل إلى استنتاج مخالف لنقّاده. يعتقد أن العديد سيبادرون عندما تُقدم لهم التزاماتهم الأخلاقية بوضوح دون وضع اعتبار لمصالحهم الذاتية، حيث يقول في كتابه 'الأساس لميتافيزيقيا الأخلاق' (١٧٨٥): "ما من فكرة ترقى بالعقل البشري وتنعشه حتى الإلهام كتلك التي تغرسها النزعة الأخلاقية السليمة التي تقدم الواجب على كل شيء، وتقاوم علل الحياة التي لا تحصى وحتى أعظم مغرياتها وتتغلب عليها".
ربما لا زلنا مُنعمين بكوننا استراتيجيين في توجيهنا للرسائل، فليس من الواضح حتى الآن أن الأسوأ سيقع، وأننا لا نستطيع التأكيد على الإيجابيات المحتملة للتخفيف حيثما كان ذلك منطقيًا وفعالًا. وبجانب ذلك، قد يتفاوت تأثير استراتيجيات توجيه الرسائل على مختلف الأشخاص. ولكن إذا أصبح المتشائم مقنعًا يومًا ما بحيث لا يمكن تجاهله، سيتوجب علينا أن نلجأ إلى وسيلة أخيرة في جعبتنا. يزعم الكانطيون بأن الإرشاد الأخلاقي بمثابة بوليصة تأمين ضد القدر؛ فهو السبب الذي يدفعنا إلى فعل الصواب على الرغم من الدمار عندما تفشل جميع الأسباب الأخرى، ولكن لنأمل ألا تفشل تلك الأسباب.