السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:42 صباحاً
بينما تستمر الولايات المتحدة في التدافع لإعادة فتح البلاد واستعادة مجرى الحياة الطبيعية، يُحذر بعض الخبراء ومنهم الرائد بفيروس كورونا الدكتور أنتوني فاوتشي مما يُسمى بالموجة الثانية من جائحة تفشي الوباء.
هذا يعني أننا قد نشهد موجة أخرى لفيروس كورونا (كوفيد-19) في الخريف القادم بعد أن يتباطأ انتشار المرض ويخمل في أشهر الصيف، وحين ننظر في توقعات باحثُوا الأمراض المُعدية وما نعرفه من التاريخ، يبدو أن ذلك احتمالًا راجحًا، إلا أن هناك عدة جوانب من المرض ماتزال مجهولة وما يزال المهنيين الطبّيين يبحثون فيها.
كيف يمكن لنا أن نتلافى تفشي فيروس كورونا في الخريف؟
صرح مدير مركز السيطرة على الأمراض وعالم الفيروسات الدكتور روبرت ريدفلود أن الوكالة تستعد على الأرجح لموجه أخرى متوقعة في أواخر الخريف أو أوائل الشتاء وسنرى عددًا كبيرًا من الأمريكيين يتعرضون للإصابة.
وقال ريدفيلد في أوائل أبريل: "نأمل أن نعيد بعض إجراءات قيود التخفيف التي فرضناها وكان لها تأثير كبير وخاصة التباعد الاجتماعي".
وفي 21 أبريل ذكر ريدفيلد في صحيفة واشنطن بوست أن الموجة الثانية في الشتاء المقبل قد تكون أشد فتكًا من الموجة الأولى التي يشهدها العالم حاليًا، وذلك لأن الناس ستواجه فيروس كورونا مع الإنفلونزا الموسمية.
كما صرح ريدفيلد بأنه من المحتمل أن تكون مواجهة الفيروس في بلادنا الشتاء المقبل أصعب من الفيروس الذي تجاوزناه، وحينما أقول هذا للآخرين لا يفهمونه ولا يعبؤون بما أقوله.
إن من أكبر العوامل التي ستحدد مدى إمكانية انتشار الفيروس في الخريف والشتاء هو توافر اختبار الأجسام المضادة، والذي سيُساعد علماء الفيروسات في فهم مدى انتشار العدوى التي حدثت.
وقال ريدفيلد في اليوم الثالث عشر من أبريل لمحطة إن بي سي الإخبارية: "سيُعطينا ذلك فهمًا أدق لظهور الأعراض من عدمها، وسيمنحُنا إدراكًا أفضل بكثير لمُعدل الوفيات عندما نرى بصورة عامة إلى أي مدى قد تصل خطورة المرض". "ويمكن أيضًا أن تكون مُفيدة في تحديد الفئات السُكانية الأكثر عُرضة للخطر والتي قد تختلف من جهة المناعة".
وأضاف: "أعتقد أنه من المهم التأكيد على أننا لم نُثبت بعد أنه بمُجرد تطوير الأجسام المُضادة (تكوين مناعة وقائية) لا تزال الفرضية العلمية في مفادها بأن هذا الفيروس سيُكون مناعة وقائية لبعض الوقت".
مخاطر فتح الولايات المتحدة في وقت مبكر
وأخبر بن كولينج أُستاذ علم الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة هونج كونج محطة سي إن بي سي أنه مع رفع القيود الحالية المفرُوضة كالتباعد الاجتماعي في وقت مُبكر جدًا ستواجه الدول خطر الإصابة بموجة ثانية من الفيروس.
وقال كولينج: "أعتقد أن تحديد مدة زمنية سيكون أمرًا صعبًا جدًا فلن ترغب أي دولة في الفتح مُبكرًا، ومن ثم سيكون لدى أول دولة تُقدٍم على ذلك موجة ثانية أسوأ". "وسيكون الأمر صعبًا جدًا لأننا نعلم بأن الدول التي تغلبت على الموجة الأولى، ستواجه تحديات من الدول الأخرى التي لا تزال تواجه الموجة الأولى أو حتى الموجة الثانية والتي قد تبدأ الآن في الصين". وأضاف كاولينج أنه يعتقد بأن الاختبار سيكون صعبًا، ولكن ستظل هناك ضرورة للتباعد الاجتماعي إلى حدٍ ما حتى يونيو أو يوليو القادم.
هل سبق أن واجهتنا موجة ثانية؟
وفقًا لما يقوله كينت سيبكوويتنز أخصائي الأمراض المعدية في مركز مومريال سلون كترينج للسرطان، إن الولايات المتحدة الأمريكية قد مرت بموجة ثانية وهي الآن في موجتها الرابعة
يعتقد سيبوكويتز أن الموجة الأولى من فيروس كورونا في الولايات المتحدة حدثت على الساحل الغربي بعد أن اجتاح المرض دار الرعاية في ولاية واشنطن. ثم واجهت الموجة الثانية مدينة نيويورك التي لا تزال بؤرة تفشي المرض في البلاد حيثُ أصيب أكثر من 110,000 منذ ذلك الحين.
ومن هناك انتشرت الموجة الثالثة من فيروس كورونا إلى بؤرة المدن، مثل نيو أورليانز وديترويت وأتلانتا، وبحلول أبريل يزعم سيبوكويتنز بأن الموجة الرابعة من فيروس كورونا قد بدأت في التسلل إلى المدن المتوسطة والصغيرة التي كان يعتقد في السابق بعد كثافتها السكانية بما يكفي لنشر الفايروس.
على سبيل المثال شهدت مُقاطعة كليبرون في ريف أركنساس وهي موطن لعدد قليل من 26000 شخص، أكثر من 60 شخصًا مُصابًا نتيجة لزيارة الكنيسة.
وذكر فوسي عن تطور الفيروس: "من المُحتمل جدًا أننا سنشهد – لا أعلم ما إذا كُنتم تودون تسميتها موجة ثانية – ولكننا سنعود بإصابات جديدة مع دخُولنا الموسم المُقبل".
ما يمكن أن نتعلمه من وباء إنفلونزا عام 1918
rnفي عام 1918، اجتاح وباء الإنفلونزا 500 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على مدار عامين مُتتاليين، وكانت معظم الوفيات خلال الموجة الثانية التي أودت بحياة ما يُقارب 50 مليون شخص. ويعتقد بعض الباحثين أن مصدر انتشار الفيروس يمكن أن يُعزى إلى توزيع قوات أمريكية بأعداد كبيرة لجهود الحرب العالمية الأولى في جميع أنحاء أوروبا في ربيع عام 1918، حيثُ حملوا فيروس الإنفلونزا معهم.
ومن ثم انتشر الفيروس كالنار في الهشيم عبر إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. ومع ذلك فإن الموجة الأولى من الإنفلونزا لم تكن شديدة الفتك واستمرت حوالي ثلاثة أيام فقط في الشخص المُصاب بأعراض كالحُمى والشعور بالضيق.
ويعتقد المؤرخون الآن أن معظم الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا حدثت أثناء "الموجة الثانية" في خريف عام 1918، والتي نتجت عن فيروس مُستجد انتشر عبر القوات.
وقال المؤرخ جيمس هاريس من جامعة أولاهايو، الذي يدرس كلًا من الأمراض المعدية والحرب العالمية: " كانت الحركة السريعة للجنود هي المصدر الرئيسي للمرض، وكأنت المنشأة العسكرية الصناعية القائمة بأكملها على نقل العديد من الناس والمواد في حالات الازدحام من العوامل التي ساهمت كثيرًا في تفشي هذه الجائحة."
وبذلك تجدر الإشارة لما قاله هاريس من القوات للمدنيين كعمال مصنع الذخائر، بأن إلقاء جزء من اللوم في الانتشار السريع للأنفلونزا في خريف ١٩١٨ على رفض مسؤولي الصحة العامة على الصعيد العالمي فرض الحجر في زمن الحرب. وقد شهدت الولايات المُتحدة نقصًا حادًا في التمريض مما زاد الأمر سوءًا حيثُ وُزعت الآلاف من المُمرضات في المُخيمات العسكرية والصفوف الأمامية.
ولم يكن العلم آنذاك يملك الأدوات اللازمة أو الفهم لتطوير لقاح للفيروس، إذ لم تُخترع المجاهر القادرة على اكتشاف شيء صغير بحجم الفيروس حتى أكثر من عقد في الثلاثينات.
وشهدت الموجة الثالثة من الإنفلونزا الإسبانية ارتفاعًا في معدل الوفيات بقدر ارتفاعه أثناء الموجة الثانية، ولكن نهاية الحرب في نوفمبر عام 1918 حالت دون انتشار الفيروس بسهولة، وبالتالي تراجعت الوفيات مُقارنة بالوفيات الهائلة التي شهدتها الموجة الثانية.
نحن في ضوء التجربة، تبقى أن نرى ما هي النتائج التي من الممكن أن تجلبها الموجة الثانية كوفيد ١٩ إلى العالم في هذه المرحلة.