السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 1:24 صباحاً
جربت الصيام الطبي لكثرة الجدل حوله؛ فكانت النتيجة ازدياد نشاطي وحيوتي.
بدأ كل هذا الشغف العام الماضي في شهر مارس عندما قرأت مقال في مجلة هاربر بعنوان "جوّع ذاتك لتصل لطريق الصحة" للكاتب ستيف هندريكس. بيّن هندريكس فوائد الصيام على الصحة بما في ذلك انخفاض نشاط نوبات الصرع على المدى الطويل وانخفاض وارتفاع ضغط الدم والتعود على العلاج الكيميائي لمرضى السرطان وخسارة الوزن. وذكر أيضًا زيادة في عمر الفئران التي أجرت عليها تجارب الصيام، والملفت روايته التي ذكرها عن خسارته 20 رطلا بعد صيامه 20 يوماً فقط ومحافظته على ذلك طيلة سنتين. كنت منبهرا بما كتبه عن الصيام وكثر اطّلاعي على الموضوع لكنني لم أنو آنذاك بالقيام به.
ظهرت فوائد الصيام كثيرًا في الأخبار ويعود ذلك تقريبًا لأفضل الكتب مبيعًا في المملكة المتحدة والولايات الأمريكية: نقص وزنك وحافظ على صحتك وعش طويلًا (٢٠١٣) للدكتور مايكل موسلي و ميمي سبنسر، ويشيد موسلي وهو صحفي في الصحة والعلوم في هيئة الإذاعة البريطانية بفوائد "الصيام المتقطع". هناك العديد من الدراسات المحدثة حول الصيام التي تخضع لبرامج بحثية مختلفة لكن موسلي استقر على نسبة 5: 2 – والتي تعني أن في كل أسبوع، يومان من الصيام وخمسة بدونه، يمكن تناول كميات صغيرة: 600 سعرة حرارية حتى في أيام الصيام كحد أقصى للرجال و 500 للسيدات أي حوالي ربع كمية اليوم العادي. ادعى موسلي أن هذا النظام " الوفرة أو الندرة" يطابق كثيرًا نظام استهلاك الغذاء الدارج في مجتمعات قبل الحداثة والتي تثبت أن أجسادنا متكيّفة معه. نوّه أيضًا بالاعتماد على العديد من المشاريع البحثية التي تدرس الصيام المتقطع وفقدان الوزن ومستويات الكوليسترول وغيرها بأنها حتى بعد فترات قصيرة جدًا من الصيام توقف أجسامنا تشغيل آليات تخزين الدهون وتتحول إلى عملية "إصلاح واستعادة" لحرق الدهون. يقول موسلي إنه فقد 20 رطلاً في تسعة أسابيع على هذا النظام الغذائي مما خفض نسبة الدهون في الجسم من 28 إلى 20 في المائة. ويقول إن جلوكوز الدم انتقل من "مريض سكري إلى طبيعي" وأن مستويات الكوليسترول في الدم أيضًا انخفضت من المستويات المُحتاجة للأدوية إلى وضعها الطبيعي، وذكر أيضًا أن حيويته ازدادت منذ ذلك الحين.
بحثت طويلا في أبحاث الصيام على الانترنت مستلهماَ من موسلي وهندريكس ووجدت أن غالبيتها مجرد هراء (غير مثبتة علمياً) يتحدث حول التخلص من السموم الغامضة وغير المعروفة في الجسم. فغالبًا ما اقترنت توصياتهم للصيام بمواد أساسية من العلوم يستبعدها الطب البديل كالري القولوني وما هو أسوأ. لكنني حينها كنت أشعر بأن ضغط دمي معتدلًا وتوقفت لأسباب أخرى لبضعة أشهر عن تناول أدوية ضغط الدم، ففكرت بتجربة الصيام لأستكشف تأثيره على ضغط الدم، وكنت مدفوعًا بالفضول.، وبعدما قرأت زوجتي أيضًا مقالة هندريكس في هاربر رغبت بالتجربة أيضًا.
قررنا الصيام لمدة سبعة أيام - بين تجربة هندريكس وتوصية موسلي. فكانت الخطة أن نقضي أسبوعًا كاملاً بلا أكل وشرب إلا الماء. خوفا من أن تتفاعل أجسادنا سلبا من هذا الصيام وحتى نبطئ عملية الأيض ولئلا تتأثر طاقتنا به فنصبح مستلقين طوال اليوم ولا ننجز شيئا طوال الأسبوع، وخططنا أيضًا أن نتمرن لمدة ساعتين على الأقل أثناء الصيام حتى نبقى نشيطين، وهي أول مرة نفعل فيها شيئًا كهذا.
ولأن زوجتي المعلمة كانت في إجازة لمدة أسبوع من عملها في فبراير قررنا أن نصوم في ذلك الوقت، لكننا لم نحضّر له جيدًا. كنت أدوّن وزني وضغط دمي والنشاطات التي أقوم بها في اليوم حتى أعرف الفرق. اشترينا بعض لوازم الطوارئ وحفظناها في الثلاجة في حالة أصيب أحدنا بالمرض أو الإغماء: بعض مشروبات الطاقة واثنين من ألواح الشوكولاتة بالحليب السويسري وبعض الفاكهة وبعض الخبز والجبن، وأوصتني زوجتي بعدم إقفال باب دورة المياه عند استخدامها في حالة احتجتُ المساعدة.
حينما تسألني زوجتي سؤالاً؛ قد أستغرق خمس ثوانٍ لاستيعابه وخمس ثوانٍ أخرى حتى أتمكّن من صياغة إجابة له وقولها.
قسنا قبل أن نبدأ بيوم الوزن وضغط الدم ومعدل النبض والخصر، وعادتنا لا نفطر (هي تتناول على الفطور فنجان من القهوة أما أنا أشرب كوكاكولا بلا سعرات حرارية - نعم، أعلم أنه سيء) ولكن في ذلك اليوم تناولنا غداءً خفيفًا وفي المساء أكلنا عشاءنا مبكرًا من الدجاج والبطاطس والقرنبيط والأرز البني وأضفنا عليه بعض بودنغ الشوكولاتة قبل أن نتوقف.
البيانات العلمية عن فوائد الصيام ما زالت رقيقة وبعيدة عن أنها حاسمة: يمكنك العثور على ملخص مفيد في مقال حديث عن الصيام المتقطع كتبه ديفيد ستيب في مجلة أمريكا العلمية 11) يناير 2013). يعتقد مارك ماتسون رئيس مختبر علم الأعصاب التابع للمعهد الوطني للشيخوخة أنه من الممكن أن يكون الصيام شكل خفيف من الإجهاد يحفز الدفاعات الخلوية للجسم ضد التلف الجزيئي. فحتى الصيام المتقطع يمكن أن يزيد من حساسية الجسم للأنسولين وبالتالي يقلل من مخاطر أمراض السكري وأمراض القلب. أظهرت دراسة أجريت في مؤسسة سالك على الفئران أنه حتى عندما سُمح بتناول الأطعمة الدهنية لمدة ثمان ساعات يوميًا فستحافظ تلك الفئران على وزنها الطبيعي ومستويات الأنسولين الطبيعية بما أنها تصوم بقية الوقت. وأظهرت دراسة أخرى رأسها مارك ماتسون في عام 2007 انخفاضًا كبيرًا في كل من أعراض الربو ومؤشرات الالتهاب عند الناس مع صيامهم يومًا كاملًا. يشكك ويحذّر بعض خبراء التغذية من مخاطر الإفراط في تناول تعوض الطعام في الأوقات التي لا يصوم فيها الإنسان. وطورت دراسة عن فئران صائمة أجريت عام 2010 في المعهد الوطني للشيخوخة أنسجة قلبية قاسية قللت من قدرة القلب على ضخ الدم. على أن السعرات الحرارية بشكل عام انحصرت ما بين نسبة 30 إلى 40 في المائة وهذا ثبت مرارًا وتكرارًا أنه يطيل من العمر كثيرًا في الحيوانات المختلفة بما في ذلك ذباب الفاكهة والقوارض إلا أن آثاره طويلة المدى لم تتضح بعد لهذه الأنظمة الغذائية في الرئيسات (أعلى رتب الثديات). كان لديّ في بحثي ما يكفي من المواد لأجربها بنفسي مع قلة البيانات لاستنتاجات واضحة.
إن صيامنا الذي دام أسبوعًا بدا غريبًا مع انخراطنا في تمارين شاقة يوميًا التي كانت في بعض الأحيان شاقة جدًا؛ في أحد الأيام ارتحلنا 14 كم (8.6 ميل) على ثلوج جبال الألب في مكان يسمى رودنيكر ألم بالقرب من حدود إيطاليا مع النمسا. كانت أربع ساعات من الصعود والنزول بعد ثلاثة أيام من الصيام الكامل وهذا أنهكنا وآلمنا، إلا أن الغريب هو شعرونا في حالة الصيام هذه بخفّة أكبر مما اعتدنا عليه في الظروف العادية، وهذا يعني أن الإنسان عنده كثير من الطاقة الجسدية أثناء صيامه كما يقول موسلي.
ومع ذلك، لم تكن الأمور مثالية، كان على زوجتي أن تفطر في نهاية اليوم السادس (بناء على إلحاحي الشديد) لأنها لم تشعر ولا تبدو أنها على ما يرام. لقد نَجِحت طوال الأيام السبعة كلها دون مشاكل جسدية ولكن نفسيتي كانت مرهقة جدًا بنهاية الأمر وسعيد أن الأمر قد انتهى، كان الافتراض يشير إلى أن تكون الأيام الاولى إلى الرابع هي الأصعب حول ما قرأته عن الصيام. كنت قلقًا أيضًا من الإصابة بالصداع وآلام الجسد الأخرى (تقلصات في المعدة ودوار، إلخ) وخاصةً حول صعوبة الحصول على قسط من النوم والراحة: ظننت أنني قد أستيقظ بسبب الجوع، ولكن ذلك لم يقلقني وهذا لا يعني أن التجربة ليست غريبة.
شعرت ابتداءً كل يوم من الأيام السبعة بنفس الشيء تمامًا: يكون الصباح جيدًا تمامًا ويستمر هذا الشعور عادةً حتى وقت الغداء تقريبًا. حاولت أن أخذ طعاماً في أي عمل وخاصةً العمل الذي يتطلب تركيزًا ذهنيًا في هذه الفترة من كل يوم. ، أتعب قليلاً بعد منتصف النهار وأجد صعوبة في التركيز على أي شيء. عندما أكون في طاقة بدنية معتادة أؤدي الأعمال المنزلية كلها في نشاط مثل إزالة الجليد وتنظيف الثلاجة بعد ظهر أحد الأيام (أي شخص يعرفني سيشهد بأن تصرفاتي هذه مختلفة). لكن بعد ذلك ذهني يتنقل من شيء إلى آخر وتتباطأ استجابتي بحلول المساء. وكنت عندما تسألني زوجتي سؤالاً؛ قد أستغرق خمس ثوانٍ لاستيعابه وخمس ثوانٍ أخرى حتى أتمكّن من صياغة إجابة له وقولها. لقد صار إدراكي ضعيفٌ جدًا: بعد يوم واحد من الاستحمام والحلاقة وضعت مرطّب الحلاقة على وجهي ولاحظت أني لم أشعر باللدغة الخفيفة التي عادة ما أشعر بها، عندها أدركت أنني لم أقصّ شيئًا بل ظننت أني فعلت.
لقد كانت الأيام ضبابية في بعض الأحيان لكن محتملة وأسوأ الأوقات كانت أوقات المساء من الساعة 6 مساءً إلى 10 مساءً. في هذه الفترة نشعر باضطراب جسدي وعقلي يؤدي إلى صعوبة كبيرة في الإنجاز، نحاول مشاهدة التلفاز والأفلام ولكن الحال يصعب وتبدو السهرة فارغة تمامًا.
إذا كنت تسعى لحلّ المشكلات بنظرية الجاذبية الكمية؛ فأفضل أن تقلل كمية الطعام.
كانت أكبر مفاجأة هي مقدار الوقت الذي معنا. لقد ذهلت من مقدار اليوم الذي أمضيه عادة في تلبية احتياجاتي الهضمية: أفكر في ما قد أتناوله للغداء أو العشاء؛ التسوق للمواد الغذائية (التي نقوم بها يوميًا تقريبًا)؛ الطبخ عندي، وتناول وجبات باكستانية لذيذة في معظم الأمسيات؛ ثم الأكل وغسل الأطباق والتنظيف وحتى حركة الأمعاء. خلو اليوم من الأكل يوفر لك وقتًا أكثر مما تعتقد. مشينا مسافات طويلة في الجبال (نحن نعيش في جبال الألب) ولعبنا الكلمات المقتطّعة (ببطء إلى حد ما) وتصفحنا الفيسبوك بالإضافة إلى ساعتين من التمارين اليومية التي استمرينا فيها طوال الوقت وما يزال دائمًا هناك وقت إضافي. أدركت أن الوجبات توفر علامات الترقيم المطلوبة في اليوم وبدونها كانت أيامنا تفتقر إلى التركيب
فماذا عن الفوائد الطبية؟ في النهاية طوال فترة الصيام وبعده ظل ضغط الدم عند نفس المستوى تمامًا حيث كان مرتفعًا قليلاً قبل أن أبدأ. كان هناك الكثير للتحكم به في الصيام على الأقل بالنسبة لي. لقد فقدت 11 رطلاً (5 كجم) على مدار الأسبوع واكتسبت 7 أرطال (3 كجم) في غضون ثلاثة أيام. الشيء المهم الآخر الذي لاحظته كما لاحظه الآخرون أيضًا هو قلة في الرغبة الجنسية تكاد تكون معدومة تمامًا. ليست لديّ أفكار جنسية طوال الأسبوع والتي لم تكن كذلك أبدًا (كأنها مؤقتة لحسن حظي). لقد عانيت من زيادة هائلة في الطاقة الجسدية على نقص التركيز.
إن كنت بحاجة إلى فقدان بعض الوزن وتحتاج أيضًا إلى حفر بعض الخنادق هذا الأسبوع، فالصيام هو الحل. فمن جانب؛ إذا كنت تسعى لحلّ المشكلات بنظرية الجاذبية الكمية؛ فأفضل أن تقلل كمية الطعام. كان هذا التأثير مستمرًا أثناء فترة الصيام: بعد يوم واحد من الإفطار عادت طبيعتي تمامًا مع نفس الشهية ومستوى الطاقة الجسدية المعتادة. وفي هذه المرحلة، يجب أن أُذكّر قرائي الأعزاء أن تجربتي التي استمرت أسبوعًا كانت عن شخص واحد (اثنان إذا كنت ستحسب زوجتي) ولذا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار أنها تجربة شخصية وليست دراسة علمية.
هل شعرتُ باختلاف عن المعتاد في الأيام التي تلت فترة انتهاء الصيام؟
لا، ليس تمامًا. لكن هل سأفعلُ ذلك مرة أخرى؟ لا أعتقد، أو ربّما ما في نظامها من متعة، لكن سأنتظر على الأقل حتى تأتي أدلة مختبرية منضبطة.