الإثنين , 15 أغسطس 2022 - 17 محرم 1444 هـ 6:52 مساءً
ماهي اللغويات الأدبية:
هي تطبيق النظرية اللغوية على الأدب، سنتناول في هذا الفصل من الكتاب، هدفان أساسيان لخصائص النصوص الأدبية في النظرية اللغوية.
الهدف الأول في نمذجة وظائف العقل للسلوك اللفظي، وهو هدف يتضمّن العمليات الذهنية الإدراكية للأدب، أما الهدف الثاني فهو في شرح ااستعمال النمط اللغوي لإيصال المعنى، وهو منوط بفهم خصائص التواصل الأدبي لنظرية الاتصال اللغوي العامة.
الإدراك الأدبي واللغوي:
إن السلوك اللفظي منتظم دائمًا، ويمكن معه معرفة الأشكال والتنبؤات المنوطة به، وعادة ما يتكوّن هذا السلوك بقواعده اللغوية المرتبطة به. هناك قواعد معرفية تتكوّن معها أنظمة السلوك الإدراكية الخاصة، وهناك قواعد تقليدية أو ثقافية يكتسبها الناس ابتداءً ويستعملونها على أنها جزء من معرفتهم العامة مع عدم ارتباطها بأي قاعدة خاصة. من ناحية لغوية صرفة، نجد أن قواعد النحو التوليدي مثلًا، تمثل القواعد المعرفية، بينما القواعد النحوية التقليدية المكتسبة، تمثل القواعد الثقافية أو التقليدية.
إن ما يميّز النصوص الأدبية عمومًا؛ انتظامها مع السلوك اللفظي، ولكن هناك انتظام خاص يمكن وصفه بالقواعد الأدبية: كقواعد الأوزان، والسرد، والقوافي، والجناس ... إلخ، ولعل أهم ما في هذه القواعد هو تصنيفها؛ بمعنى أهي معرفية ندركها، أم ثقافية تقليدية؛ أم كلاهما معًا؟ في حالة الإدراك الأدبي اللغوي؛ يكون السؤال التالي متمحورًا على تمثيل الوظائف الإدراكية للقواعد الأدبية، وحينها يجب أن نطرح السؤال عن العلاقة بين وظائف الإدراك الأدبي ووظائف الإدراك اللغوي العام، فمن جهة نكتشف أن هناك تشابه عام بين القواعد الأدبية والقواعد اللغوية، وهذا يستدعي طرح السؤال التالي: هل هناك ارتباط تنتجه قواعد الأوزان بين المكونات الفرعية الإدراكية مع القواعد الصوتية؟ ومن جهةٍ أخرى نطرح السؤال التالي: هل هناك تفاعل تشترك فيه القواعد الأدبية مع القواعد اللغوية؟
من الأمثلة على هذه المكونات الأدبية، الجناس في الشعر الأيرلندي (قاعدة أدبية) تشير إلى وظيفة الإدراك الخاصة التي تشترك مع الصيغ الأدبية، فالكلمات الأيرلندية “white,” “cow,” و “great” يتضمنهم bán, bó, و mór متتابعة مع النطق في المستوى الضمني، فتنطق كالتالي: mbán, β ó, و mór على المستوى السطحي (الأشكال الضمنية والسطحية ترجع إلى القواعد اللغوية)، وفي الشعر الأيرلندي؛ نكتشف أن الجناس يشير إلى علاقة الكلمات التي تبدأ بنفس الحرف الساكن، وأول كلمتين متجانستين مع بعضهما، أما الكلمة الثالثة فتخلو منه، وهذا يوضّح أهمية التمثيل الضمني للكلمات في قاعدة الجناس (Malone, 1988). ففكرة أن الجناس يتحكم بجوانب الشكل اللغوي المتخفيّة، هي فكرة مستبعدة تمامَا عند تطبيق القواعد الصوتية، ومنها نرى أن قواعد الجناس نفسها، ما هي إلا قواعد إدراكية تشترك مع القواعد اللغوية العامة.
التواصل الأدبي واللغوي:
إن من أبرز مشاكل اللغويات الأساسية شرح ربط الشكل العام بالمعنى، وقد لاحظ اللغويون مشكلتين بارزتين، الأولى: ربط النموذج الصوتي بالنموذج المنطقي، فالنموذج الصوتي هو ما ينتجه الأداء الصوتي والنحوي، وهو أيضًا صورة محددة قد تمكّننا من الوصول إلى القواعد التفسيرية، أما النموذج المنطقي فيعطي تعريفًا للكلمات والعبارات الملفوظة، إضافة إلى علاقة الفاعل، والمسند، والمفعول به النحوية ... إلخ. أما المشكلة الثانية فهي شرح طريقة استخدام التواصل الخاص بالنموذج المنطقي بُغية تحديد ما ينوي القائل تقديمه من معلومات (ماذا يود القائل أن يقول بالضبط؟)، والنقطة الأولى في هذه المشكلة مرتبطة بمجال بناء الجملة وبعض الأنواع المعينة من الدلالات أو معاني الكلمات، وتتضح بجلاء عدم صلتها بالنصوص الأدبية، نستلمح من ذلك أن النصوص الأدبية مثلها مثل أي نصوص أخرى، لاسيّما عندما نتحدث عن الانشقاق في النماذج المنطقية المتعلقة بالنماذج الصوتية، أما المشكلة الثانية فمرتبطة بالمجال البراغماتي؛ وهذا المجال يرتبط بالنصوص الأدبية، لأن النصوص الأدبية تتميز بخصائص تأويلية خاصّة بها، وتميل أكثر من غيرها إلى التأويلات غير المباشرة والمتعددة، ومنه نجد أن الاستعارة والسخرية يتواجدان في الأنواع غير المباشرة من التأويلات، كما أن الغموض وتعذّر إعادة صياغة النص الأدبي في كثير من النصوص الأدبية ما هما إلا من الأمثلة الواضحة على تعدد التأويلات وصعوبة تحديدها، وهنا يسأل اللغويون عن تفسيرات النصوص الأدبية: هل خصائص تفسير النصوص الأدبية مرتبطة بالخصائص الإدراكية الأخرى من النصوص غير الأدبية؟
وجهة نظر اللغويات:
ما الطابع الذي يتميز به النص الأدبي؟
ما يميّز النص الأدبي بناءه الخاص به من القواعد، وتتمثل هذه القواعد في الأوزان الشعرية، والتوازي، والبنية السردية ... إلخ، ومنها نعرّف هذه النصوص المشتملة على هذه القواعد بالأدب، ولكن هذا لا يتصل رأسًا بموضوعنا، لأن القاعدة ذاتها هي المهمة، لا نوع النص الذي يحتوي على هذه القواعد.
هناك تأثير ثقافي على النصوص الأدبية أو ما يعرف بالفن اللفظي، يذكر جاكوبسون 1960 في مقال له نُشر عام 1987 بأن التركيز على المقولة أهم الأشياء التي تميّز النصوص الأدبية عن غيرها؛ ويقصد بذلك التركيز على طريقة الكلام/السرد وليس المحتوى، يمكننا القول بأن صورة النص الأدبي تصل عن طريق الوصف الخاص والظاهر معها. بمعنى أن تكون الصورة المقصودة منه بارزة تمامًا، ويتضح ذلك في الشعر عبر وزنه وإيقاعه المنتظم، إذا يتضح نوعه الظاهر بسبب التكرار، وبما أن الفكرة تتعلق بالصورة الظاهرة للنص الأدبي، فقد نجد أن صورة النص تتصل بالجمهور، عرض جاكوبسون كذلك منهجيته طريقة يمكن معها أن نفهم كيفية توظيف القواعد الأدبية على الأشياء الأساسية المرتبطة بالسلوك اللفظي، مع تحقيق الأهداف الإدراكية في الأخير، وقد تبنّى ريتشارد بومان أيضًا منهجية جاكوبسون فجعل هذه المنهجية جزءًا من نظرية اللغة المستخدمة. فبومان 1984 نهج السياق لـجاكوبسون في تعامله مع النموذج الأدبي ومن ثمّ وضعه في السياق الخاص بالنصوص الأدبية التي تُعرض على الجمهور، وركز بومان في الأساس على الأداء الشفهي، إلا أنه يمكننا النظر إلى المنشورات الأدبية كمثال على ذلك أيضًا، حيث أن بومان أشار كذلك بأن استمرار الصورة الظاهرة للنص الأدبي تكون مهمة بجانب الأداء الذي يتطلب أن يكون المؤلف قادرًا على إظهار مجموعة من القواعد للجمهور مع توقع أن هذا الجمهور سيقيّمه على هذا الأساس، وعليه يجب أن تكون القاعدة واضحة، لاسيّما عندما يحاول أن يعطي النص الأدبي وصفًا محددًا ومتعلّقًا به، وعرض كل من بومان وجاكوبسون إمكانية أن يكون الأدب نوع خاص من أنوع السلوك اللفظي، لأنه حينئذ ستكون هناك فائدة واضحة للغويين.
يتميّز الأدب عمومًا "بالجماليات" المختلفة عن أي نوع آخر من النصوص الأخرى، وهذه الجماليات بما تحمله من مكونات عاطفية وفسيولوجية وإدراكية هي إشكال في علم النفس، ولعل أهم سؤال هنا للغويين الأدبيين عن إمكانية توظيف أنماط الشكل اللغوي في الأدب، وهل يمكنه المساهمة في إضافة معايير جمالية أم لا؟
:Reference
Fabb, N. (2002). Language and literary structure: the linguistic analysis of form in verse and narrative. Cambridge University Press.