السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:51 صباحاً
يفضل الكثير من الأشخاص نسيان شيءِ واحدٍ على الأقل مما عانوه في حياتهم، ومن هنا جاءت شعبية فيلم “الإشراقة الأبدية للعقل الطاهر”، وبالرغم من عدم وجود تقنية معروفة حتى الآن يمكن من خلالها محو الذكريات غير المرغوب فيها, إلا أن دراسة جديدة نُشرت في مجلة JNeurosci"" كشفت ما يحدث بالضبط في دماغك عندما تحاول نسيان شيء ما, وقد تتضمن عملية النسيان, كما اتضح, الكثير من التركيز النشط والمدروس على الذكريات غير المرغوب فيها قبل أن تختفي فعلًا.
طلب الباحثون من مجموعة شبّان محاولة إما تذكر صور لمناظر طبيعية محايدة ووجوه عرضت عليهم أو نسيانها؛ بينما تُحلّل أدمغتهم عبر تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي, فوجد العلماء أن القشرة البصرية للدماغ كانت في محاولة النسيان أكثر نشاطًا مما هي عليه في محاولة التذكر، مشيرين إلى أن من يحاول نسيان شيء ما عمدًا يحتاج أن يركز تركيزًا عاليًا على المهمة.
وهذا عكس ما أظهرته الأبحاث السابقة: إذ كان النسيان المتعمد في الماضي مرتبطًا بمزيد من "العمليات السلبية" مثل صرف الانتباه عن الذكريات غير المرغوب فيها أو التوقف عمدًا عن التذكر, حسب ما قاله الباحثون حول نتائج بحثهم.
وقد كتبوا أنه “لا يمكن للعقل البشري أن يتذكر كل شيء؛ فللنسيان دور حاسم في تنسيق الذكريات واستبعاد المعلومات غير المرغوب فيها, وقد أظهرنا دليلًا جديدًا على أن النسيان المتعمد يتضمن تعزيز معالجة الذاكرة في القشرة الحسية لتحقيق النسيان المنشود للتجارب البصرية الحديثة، وهذا يُعزز مؤقتًا نشاط تمثيل الذاكرة مما يجعلها عرضة للاضطراب... وخلافًا للحدس، يتضمن النسيان المتعمد تركيزًا أكثر على المعلومات غير المرغوب فيها بدلًا من صرف الانتباه عنها.”
وبعبارة أخرى، وكجزء من عملية "المحو"؛ فقد يحتاج الشخص إلى التفكير كثيرًا بالشيء الذي يحاول نسيانه، ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدراسة كشفت بأن كثرة التفكير قد تؤدي أيضًا إلى نتائج عكسية وتثبّت الذكريات, وقد نجح النسيان المتعمد أكثر مع الأشخاص الذين كانت قشرتهم البصرية نشطة باعتدال.
إذن، ما معنى هذا بالنسبة لشخص عادي يبحث عن ذاكرةٍ خالية من التجارب؟ الطريقة المثلى لتفسير هذه النتائج هي الإدراك بأن التجاهل التام لأي تجربة لن يمحوها من ذاكرتنا، لاسيما تلك التي نريد نسيانها بشدة كالذكريات المؤلمة أو المحرجة أو المخزية أو المحبطة, فلا بد أن نعترف على الأقل بالتجربة غير المرغوب فيها قبل نسيانها للأبد.
وقد كتبت شيريل بول، مدربة التحولات الحياتية، في موقع mbg واصفةً كيفية تخطي الآلام “كي نشفى، لا بد أن نشعر بآلامنا، وتختلف ممارسة هذه العملية من شخصٍ لآخر، لكنها تتضمن دائمًا إبطاء سرعة وتيرة الحياة مثل إغلاق أجهزتك الذكية والانعزال عن العالم سامحًا لنفسك بالبكاء أو الحركة أو الرسم أو حتى التنفس فقط من خلال الألم في قلبك”.
وقد لا توجد طريقة يمكننا من خلالها محو تجاربنا المؤلمة التي نمر بها أثناء رحلة إشراقنا الأبدي، ولكن تركيز الاهتمام عليها قد يكون جزءًا أساسيًا من عملية تخطيها.