الجمعة , 17 يناير 2025 - 17 رجب 1446 هـ 11:10 مساءً
تحظى الشيخوخة بسمعة سيئة، لكن المرض والتدهور والانزعاج بعيدون كل البعد عن القصة بأكملها. يستحثنا لإلقاء نظرة جديدة أستاذ الطب النفسي وعلم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومدير مركز جامعة كاليفورنيا بسان دييغو للشيخوخة الصحية: ديليب جيست.
في حوار مع مجلة Nautilus يشير جيست إلى أن بعض الأمور تتحسن أثناء التقدم في العمر مثل القدرة على اتخاذ القرارات والتحكم في العواطف والتعاطف مع الآخرين، بمعنى أن حكمتنا تزداد مع الكبر، ويقول بأن التحدي الذي يواجه الشيخوخة الصحية هو أن يكون الشخص متفائلاً ومرنًا وإيجابيًا، فذلك يعطي العمر تألّقًا، أما التحدي المقابل الذي يواجه الأطباء فهو طول التمتّع بالحياة الصحية وليس طول العمر فقط.
ما هي الشيخوخة السليمة؟
هناك ثلاثة أنواع للشيخوخة: بدنية وإدراكية ونفسية اجتماعية، يرى معظم الناس الشيخوخة شيخوخة بدنية لذا هناك تصور سلبي عن الشيخوخة وتحيز ضدها، أما من ناحية الإدراك فهناك أيضًا شيء مشابه، حيث تتدهور الذاكرة والقدرات الأخرى بعد منتصف العمر، أي عند الستين مثلًا، وبالرغم من أهمية النوع الأخير "الشيخوخة النفسية الاجتماعية" إلا أنه لا يُهتم بها عادة ولا تضمّن في مفهوم الشيخوخة.
فما هي الشيخوخة النفسية الاجتماعية إذًا؟ إنها تشمل أشياء كالرفاهية والسعادة وجودة الحياة والتحكم في العواطف والعلاقات الاجتماعية، تلك هي الأمور التي تهم الناس كثيرًا ويتعين ذكرها، حيث أن الشيخوخة السليمة تعني الرفاهية الكبيرة والسعادة العظيمة، وليس فقط تقدّم في السن، بل الازدهار والتألّق.
ألا يلزم أن تكون الشيخوخة مجهدة؟
في سن الشيخوخة إجهاد كبير في بعض النواحي، فالأمراض البدنية والعجز ووفاة الأقارب والأعزاء والمشكلات المالية والتقاعد وفقدان الشعور بالهدف كلها ضغوط حقيقية في مرحلة الشيخوخة.
كيف تتجاوب مع الضغوط هذا هو المهم، أجرينا دراسة على ما يقارب 2000 شخص من عمر الواحد والعشرين إلى ما يتجاوز المائة، بالنّظر إلى صحتهم البدنية وقدرتهم الإدراكية وأدائهم النفسي الاجتماعي، ووجدنا أن الصحة البدنية تتدهور بعد منتصف العمر وهذا متوقع، وتبدأ القدرة الإدراكية بالتدهور عند الكبر وهذا متوقع أيضًا، إلا أن الأداء النفسي الاجتماعي والذي يشمل الرفاهية وجودة الحياة والسعادة يتطور شيئًا فشيئًا مع التقدم في العمر، فيتعامل كبار السن مع الضغوط تعاملًا أفضل من شخص في العشرينات والثلاثينات، فالفشل في سن الشباب ربّما يصيبك بالإحباط ، لكن في سن كبيرة قد تقول: "لا بأس، هناك أمور أخرى ستنجح".
هل تزداد حكمتنا مع تقدّم العمر؟
أظهرت الدراسات التجريبية أن كبار السن أفضل من صغار السن في التحكم بعواطفهم ومعرفة أنفسهم واتخاذ قراراتهم التي تتطلب خبرة، ولديهم رحمة وعاطفة كبيرة بالآخرين، وهذه أوصاف أضيفها على الحكمة، وتتضح مع تقدّم العمر.
أين توجد الحكمة برأيك؟
يحتوي نظام الدوائر العصبية بمفهومه العام على منطقتين، الأولى هي قشرة الفص الجبهي؛ الجزء الذي ينمو بسرعة واستمرار، إنه جزء الدماغ الخاص الذي يميّز البشر، والثانية هي اللوزة الدماغية – جهازنا الحوفي- الجزء البطيء جدًا في النمو، وهذه أجزاء موجودة أيضًا في أدمغة الحيوانات.
إن الحكمة توازُن بين الإدراك والعاطفة، وتوازُن بين الأنانية والسلوك الاجتماعي الإيجابي، وتوازُن بين الأشياء المفيدة والمهمة للحياة الاجتماعية التي هي انعكاس للنظام العصبي.
هل هناك استراتيجيات للشيخوخة السليمة؟
نعم، بضع استراتيجيات، وهذه الاستراتيجيات هي للشيخوخة البدنية والإدراكية والنفسية الاجتماعية السليمة، وهناك أدلة قوية تؤيدها، أحدها هو تقييد السعرات الحرارية، والثاني مهم جدًا وهو النشاط البدني أي التمرين، بل حتى المقعدين يمكنهم ممارسة بعض النشاطات البدنية، ثم استمرارية النشاط الذهني عن طريق القيام ببعض الأمور الشاقة والممكنة في ذات الوقت، وهناك العلاقات الاجتماعية، إلى درجة معقولة منها، ثم تأتي المواقف والسلوك والمرونة والتفاؤل والرحمة ومساعدة الآخرين والنشاطات التطوعية. إن هذه الاستراتيجيات تضيف للحياة معنى وتجعلك سعيدًا، وهناك استراتيجيات أخرى كالتأمّل لتقليل الضغوط.
هل هناك مجال في أبحاث الشيخوخة تشعر بأنه لم ينل اهتمامًا كافيًا؟
نعم، أعتقد حقًا بأن التركيز الآن في الشيخوخة عمومًا والرعاية الصحية خصوصًا مُنصب على معالجة العجز والأمراض، ولكن التركيز يجب أن يكون على الوقاية، والوقاية لا تبدأ عند الخامسة والستين، فالشيخوخة لا تبدأ آنذاك، بل تبدأ عند الإدراك.
الاستراتيجيات التي ذكرتها كالمحافظة على نظام غذائي صحي والنشاط البدني واستمرارية النشاط الذهني والتواصل الاجتماعي ومساعدة الآخرين – تلك الأشياء لابد أن تكون منذ الطفولة المبكرة، نحتاج إلى تدريس المرونة والتفاؤل في مدارسنا للصغار وللشباب متوسطي العمر، فذلك قد يخفف كثيرًا من وقوع بعض الأمراض كالسكري ومرض القلب والسكتة الدماغية.
إنني لا أحب النظر إلى الشيخوخة بسلبية، كشيء يصعب التحكم فيه، أو كمفاجأة ومصيبة، أو كأمر نحرص على تجنبه بأخذ أدوية مضادة، بل يجب النظر إلى النواحي الإيجابية لها ونحاول أن نعززها.
ما هو شعورك تجاه شيخوختك؟
ما أشعر به حقًا أنني تعلمت كثيرًا منها، لا أعلم إن كنت حكيمًا أم لا، فهذا ليس مهمًا، بيد أني أشعر حقًا بأن حكمتي ازدادت مع مر السنين، ورعونتي قلّتْ، أنظر حولي فأرى بعض القدوات الذين يعملون عملًا رائعًا كلما كبروا، وآخرين يضيّعون شيخوختهم بقسوتهم وتذمّرهم، أعتقد أن الدراسة التي أجريها تنطبق علي.