السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:19 صباحاً
في اجتماع مع البروفيسور تشامبرز في حانة كارديف القريبة من موقع عمله والتي تمتاز بأجوائها الممتعة، وصلت هناك للقائه لتناول الغداء. رأيته ملوحًا بيديه يحيني عند دخولي، أدركتُ حينها بأن البروفيسور كان بانتظاري.
كريس تشامبرز بروفيسور أسترالي في أواخر الثلاثينات من عمره، ذو هيئة هادئة بشكل يلفت الانتباه. وفيما بدا، شكله يعطي انطباعًا عن الصورة النمطية للثقافة الأسترالية، كان يرتدي قميصًا وبنطالًا قصيرًا فضفاضًا -بالرغم من أن السماء كانت تمطر-. كان أصلعًا لامعَ الرأس. وألاحظ أن العديد من الأساتذة اليافعين الذين قابلتهم لم يملكوا شعرًا يغطي رأسهم. فكما أعتقد نظريًا بأن عقولهم الذكية تنتج الكثير من الحرارة التي أحرقت بصيلات شعرهم من الداخل.
قررتُ على كل حال أن أنتهز فرصتي وأقول له ما يدور في خلدي: "هل بإمكاني استخدام أجهزة الشعاع المغناطيسي الذي تملكه لأفحص عقلي أثناء شعوري بالسعادة لأكتشف أين يكمن مصدر السعادة في الدماغ؟"
قضى خمس دقائق ضاحكًا من السؤال ثم توقف. حتى أكثر الأشخاص تفاؤلًا قد يؤكد بأنها لم تكن بداية جيدة في الحوار. وعلى مدار ساعة أو ما يقاربها، شرح لي البروفيسور تشامبرز بتفصيل ممل لماذا كانت فكرتي غير معقولة.
هذه ليست الطريقة التي يجب أن يعمل بها جهاز الشعاع المغناطيسي. فعندما نعود للتسعينات، أو كما كان يطلق عليها "الأزمنة السيئة الغابرة" لتصوير الأعصاب، لنرى كيف صُنع الجهاز، نجد الكثير مما نطلق عليه "علم التصوير النقطي" الذي يقوم على مسح دماغ الإنسان بتقنية الشعاع المغناطيسي لتتبع نشاطه من خلال النقط أو الأجزاء المنيرة في الدماغ.
أحد أفضل الأمثلة التي أستطيع طرحها من إحدى أوائل المؤتمرات التي حضرتها مسبقًا، وهي عن دراسة قُدمت اسمها "مقارنة الشعاع المغناطيسي للدماغ عند لعب الشطرنج وأثناء الراحة". ببساطة، تعتمد الدراسة على استلقاء مجموعة من المتطوعين على الجهاز الفاحص، بعضهم يلعب الشطرنج، والآخر مستلقٍ براحة. وفي كلتا الحالتين الدماغ كان في حالة نشاط مستمرة، ولكن بشكل مختلف عن الأخرى. فأظهرت نتائج مجموعة لاعبي الشطرنج أن جزءًا من عقلهم كان "أكثر نشاطًا" من الأجزاء الأخرى. لذا زعموا أن هذه المناطق مسؤولة عن نشاطات معينة كالشطرنج. كانت الاستنتاجات عكسية؛ أي أن هذا الجزء من الدماغ نشط وفعّال، ولا يزيد نشاطها إلا عندما نمارس لعبة الشطرنج، باعتبار أن هذه الأجزاء معنية بالشطرنج. لكن في واقع الأمر أنها تعمل بشكل عكسي. فهي تُبين أن الدماغ كمحرك السيارة؛ أي أنه يجب على كل جزء من أجزاء الدماغ أن يعمل على مهمة واحدة فقط ليس إلا.
فمقاربة كهذه تؤدي إلى استنتاجات خاطئة، كأن ترى بأن أي جزء من العقل فعّال لنشاط معيّن، فتربط الجزء الفعال بأنه مصدر لذلك النشاط، وهذا خاطئ؛ إذ أن العديد من الوظائف العقلية تندرج تحت العديد من الأجزاء العقلية، والتي تتحكم بها الشبكات المعرفية. أُدرك كم أن هذا الأمر معقد جدًا، فتلك مشكلة يعاني منها تصوير الأعصاب بشكل عام، فالنشاط يرتفع أكثر حين تتعامل مع أي شيء ينبع من الذات، كالسعادة مثلًا.
بغض النظر عن ضحكي الشديد على الحمقى الساذجين الذين ظنوا أنه بالإمكان أن تستخدم جهاز الإشعاع المغناطيسي لتحديد أي الأجزاء الدماغية أكثر فعالية عند لعب الشطرنج، كنت أشعر بالإحراج الشديد. كنت قد تمنيت لو كان بإمكاني أن أقوم بما قاموا به، حينها سأستغل أي مصطلح أكتشفه لأول مرة، لأكون أخصائي في علم التصوير النقطي.
تبين لاحقًا، أن استخدام أدوات التصوير يسهل دراسة أمر ما كالرؤية مثلًا؛ فيمكنك التحكم بأريحية بكل ما تركز عليه مواضيعك الدراسية، والتأكد من تقديم كل موضوع بصورة متوافقة لتحقيق التناسق وبذلك يسهل تحديد القشرة البصرية المسؤولة في المخ عن الرؤية ودراستها. وعلى أي حال، قد تجد أن دراسة ما سمّاها البروفيسور تشامبرز "الأشياء المثيرة للاهتمام" يمكن أن تكون أكثر تعقيدًا؛ أي الوظائف الأعلى كالانفعالات أو التحكم بالذات.
"السؤال هو ليس ’أين تكمن السعادة في الدماغ؟ فذلك كما لو أنك تسأل ’ أين يكمن الإدراك الصوتي لنباح الكلب في الدماغ ’، إنما السؤال سيكون أفضل لو كان ’ كيف يدعم الدماغ السعادة؟ ما هي الشبكات والطرق المُتّبعة لتحفيزها؟’"
في المفهوم العلمي، تطبيق تجربة على شخص واحد، كما كنت آمل، هي تجربة لا تؤخذ بعين الاعتبار
تطرق البروفيسور تشامبزر إلى قضية أخرى. فماذا تعني السعادة في المفهوم التقني؟ "عن أي مقياس زمني نتحدث؟ عن السعادة اللحظية، كأن تقول "هذا طلاء جميل؟ أم سعادة طويلة المدى وعامة، كأن يُسعدك أبناؤك، أو أن تعمل على تحقيق هدفك، أو تزرع في نفسك القناعة والرضا، أو تسعى للسلام الداخلي والتحرر من هموم الحياة، أو ما شابه؟ تملك في عقلك عدة مراحل للعمل تعزز بها كل هذه الأفكار، لكن السؤال هنا كيف يمكنك تحليلها؟
حاليًا سأتخلى عن آمالي في تجربة فكرتي غير المهيأة بعد وسأعترف بذلك قدر المستطاع. بالرغم من مخاوفي المسبقة من الطباع الحادة للأساتذة عمومًا ومواجهتهم للعقول البسيطة، إلا أن البروفيسور تشامبرز كان لطيفًا جدًا في تعامله، بل قال لي إنه مستعد لمضيي قِدماً في التجربة حتى وإن خرجت منها ببرهان واحد مفيد من تلك التقنية. ولسوء الحظ، استخدام أجهزة الشعاع المغناطيسي مكلف بشكل لا يصدق، فالعديد من المجموعات البحثية تتنافس لاستخدامها.
وعلى الأغلب سيستاء العديد من الباحثين إذا أهدر البروفيسور فرصة ثمينة على تجربة مهرج مثلي ليتفحص منبع سعادته.
فكرت بدفع التكاليف بنفسي، لكنها تفوق قدرتي المادية. فليس جميع الكتّاب أغنياء مثل الكاتبة جوان رولينغ، ولا بكرم وكيلتي صوفي عندما يتعلق الأمر بنفقات المعاملات المدفوعة للناشرين، لدرجة أنهم سيعارضون معاملات كهذه. ثمانية وأربعين جنيه إسترليني ثمن تذكرة القطار، وخمسة جنيهاتٍ ثمنِ الشطيرة، وثلاثة جنيهاتٍ لكوبِ القهوة، وثلاثة عشر ألف جُنيهٍ ثمنًا لاستخدام أجهزة الشعاع المغناطيسي ليوم واحد. فقد غابت عني هفوة قسم المحاسبة ولم أعلم بأنها غير ملحوظة.
عوضًا عن تلخيص لقائنا الذي يبدو فكرة ميؤوسًا منها، وقبل أن أعاود العمل على أفكاري لأخرج بشيء "مُجدٍ"، قررت أن أسأل البروفيسور تشامبرز إن كان هناك أيةُ معرقلات يجب الحذر منها في نهج أجهزة الشعاع المغناطيسي.
تبين لي لاحقًا بأن البروفيسور شخص متقد الحماس وذا همة عالية حين يتعلق الأمر بتسليط الضوء على المشاكل والمعرقلات التي تعوق سير عمل الدراسات الحديثة لتصوير الأعصاب خصوصًا، وعلم النفس عمومًا. وقد ألف البروفيسور كتاب "الخطايا السبع المميتة لعلم النفس"، إذ يناقش فيه إجراءات ونصائح لتطوير علم النفس الحديث.
هناك عدة مسائل متعلقة بأجهزة الشعاع المغناطيسي، والتي بدورها توضح سبب صعوبة استخدامي لها، وأن إعداد تجربة لإيجاد مصدر السعادة ليست مهمة سهلة. أولًا، وكما ذكرت سابقًا، التكلفة المادية باهظة الثمن. لذلك تجد الدراسات التي تعتمد على هذه الأجهزة عادة ما تكون صغيرة نسبيًا، وتطبق دراستها على نسبة محدودة من العينات الدراسية. وهذا بحد ذاته مشكلة؛ فعلى قدر العينات التي تطبق دراستك عليها تأتي النتائج. إن قل عدد العينات قلت ثقتك بالنتائج ودقتها. وكلما كَثُرت العينات، زادت "القوة الإحصائية" للنتائج، بالتالي تزيد ثقتك بدقتها.
خذ على سبيل المثال لعبة النرد. ترمي حجر النرد عشرين مرة، واحتمال 25% من عدد الرميات تحصل على الرقم ستة، فالنتيجة تساوي خمس رمياتٍ للرقم ستة. قد تظن بأن حدوث ذلك من الاحتمالات البعيدة، ولكنه يبقى ممكنا. قد يبدو في بادئ الأمر غير مهم. لكن إذا قلنا إنك ترميه عشرين ألف مرة، واحتمال 25% من عدد الرميات تحصل على الرقم ستة، فذلك يعادل حصولك على الرقم ستة لـخمسة آلاف مرة. الآن قد يبدو الأمر غريبًا، قد تظن بأن هناك خطبًا ما بالنرد، إما أن يكون مُتلاعَبًا به أو ربما محشو بشيء ما. فالحال ذاته مع تجارب علم النفس، أن تحصل على ذات النتيجة وتأثر في خمسة أشخاص أمر مثير للاهتمام، لكن أن تشمل النتائج 5,000 شخصا، حينها قد يكون ذلك اكتشاف العصر.
إن فكرة تطبيق تجربة على شخص واحد، كما كنت آمل القيام به، هي تجربة لا تؤخذ بعين الاعتبار في المفهوم العلمي. فمن الجيد معرفة ذلك قبل الشروع بالعمل.
أصبح من الواضح أن السعادة أكثر تعقيدًا مما توقعت، شيء يختبره الجميع، يريدونه، ويظن الجميع بأنهم يفهمونه.
أسهب البروفيسور تشامبرز بالشرح موضحًا بأن تلك التكلفة هي سبب في أن القليل من التجارب تعاد. فالضغط هائل على العلماء من أجل أن ينشروا نتائج إيجابية (مثلا: "توصلنا إلى شيء!" بدلاً من "حاولنا جاهدين، لكن بلا نتيجة تذكر!"). ونتائج كهذه قد تُنشر في الصحف، ويقرؤها أقرانهم وغيرهم، وتحسّن الآفاق المهنية، وطلبات المنح، وغيرها الكثير. ومن جهة أخرى قد يكون من الأفضل تكرار التجارب قدر الإمكان، لتؤكد أن نتائجك لم تكن ضربة حظ. للأسف، يواجه العلماء الكثير من الضغوطات، إذ أنه يجب عليهم البدء بدراستهم التالية، وإيجاد الاكتشاف الكبير، فالنتائج المهمة غالبًا لا يكون لها منازع، خصوصًا نتائج أجهزة الإشعاع المغناطيسي.
حتى لو حظيت بفرصة لتطبيق تجربتي، فيتحتم عليّ تطبيقها مرة واثنتين، مهما كانت النتائج. حتى وإن لم تعطني النتائج التي أرجوها، وهذه مشكلة أخرى.
بيانات أجهزة الشعاع المغناطيسي ليست واضحة تقريبًا مثلما تقترحه التقارير السائدة. أولًا، نتحدث عن أي جزء من أجزاء الدماغ "نشط" أثناء الدراسة، ولكن كما أشار الدكتور تشامبرز على أن " هذا الكلام فارغ؛ فكل أجزاء الدماغ نشطة طوال الوقت، هكذا يعمل الدماغ. السؤال هنا: ما مدى نشاط هذه المناطق المعينة؟ وهل هي نشطة أكثر بكثير من المعتاد؟" حتى تصل إلى أسس "علم التصوير النقطي", يجب عليك أن تحدد باستخدام الجهاز الماسح أي النقط أو الأجزاء المنيرة في المخ "متعلقة" ببحثك. فهذا سؤال مهم أن تطرحه عند القيام بشيء ما مثل مراقبة نشاط مناطق محددة في الدماغ. وسؤال للمبتدئين، ما الذي يعد تغييرًا "مهمًا" في النشاط؟ إذا أظهر كل جزء من الدماغ نشاطًا متذبذبًا طوال الوقت، فكم يجب أن يزداد النشاط ليُعد متعلقًا بالبحث؟ ما هي الذروة التي يجب الوصول إليها؟ فذلك قد يختلف من دراسة لأخرى. لذا الأمر يشبه إلى حدٍ ما حضور حفل موسيقي ضخم لأحدث نجوم البوب، ومحاولة تحديد من هو أكثر معجبيهم وذلك من خلال الاستماع إلى من يصرخ بصوت أعلى; نعم بالإمكان فعل ذلك، بالكثير من الجهد، فلا شيء يأتي بسهولة.
وهذا الذي أوضحه البروفيسور تشامبرز، يؤدي بنا إلى مشكلة واضحة.
"تمتلك أجهزة الشعاع المغناطيسي مشكلة كبيرة تسمى بـ "درجات حرية الباحث". غالبًا لا يقرر الناس كيفية تحليلهم للبيانات، أو يقرروا ماهية السؤال الذي سيطرحونه، حتى يشرعوا فعليًا في دراستهم. عندها يبدؤون بالبحث، فيواجهون معضلة نطلق عليها "حديقة الطرق المتشعبة", فهناك آلاف القرارات التحليلية لاتخاذها حتى في أبسط دراسات أجهزة الشعاع المغناطيسي، وكل واحد منها يسهم بالقليل في تغيير نتيجة المعطيات.
إذن، سيستخرج الباحثون بياناتهم في النهاية في سبيل العثور على نتائج مفيدة".
يأتي ذكر هذا بسبب وجود العديد من الطرق المختلفة لتحليل البيانات المعقدة، ومزيج واحد من هذه الأساليب والطرق قد يقدم نتيجة مفيدة، بينما الآخر منها قد يكون بلا جدوى. ربما تراه أمرًا غير منصفٍ يشبه إلى حدٍ ما إطلاق الرصاص على الحائط ثم رسم خطوط الهدف حول المكان الذي تجتمع فيه ثقوب طلقات الرصاص وتدعي حينها بأنك رامٍ ماهر. الأمر ليس بذلك السوء، ولكن الأمور عادة ما تأخذ ذلك المنحنى. إلا إذا كانت مسيرتك ونجاحك يعتمدان على إصابتك للهدف وهذا الاحتمال وارد، فلمَ لا تُقدم عليه؟
وهذا كله يعدُّ مجرد غيض من فيض فيما يتعلق بكل المشكلات التي تحدث عند البدء بتجارب جهاز الشعاع المغناطيسي. ويمتلك البروفيسور تشامبرز إجابات محتملة وحلول لهذه المشاكل مثل كتابة التقارير عن الطرق التحليلية قبل تطبيقها بالواقع، وتوحيد البيانات والموضوعات بين المجموعات لزيادة المصداقية وتخفيض التكلفة المادية، وتغيير الطريقة التي يتم بها الحكم على العلماء وتقييمهم عند تقديم المنح والفرص.
رغم أن الحلول جيدة ومعمول بها، إلا أنها لم تأتِ بفائدة تذكر، إذ قَدِمتُ لهذا اللقاء آملًا باستخدام بعض من سحر التقنيات العالية لتحديد منبع السعادة في دماغي. لكن دماغي، عوضًا عن ذلك، ترنح بمشكلات هائلة في العلوم المتقدمة، وشعرت بالتعاسة الواضحة بسبب هذا الموضوع.
الهامبرغر والسعادة نتيجتان نهائيتان، مألوفتان لكن ممتعتان، لشبكة معقدة من الموارد، والعمليات والإجراءات.
عاد البروفيسور تشامبزر في نهاية لقائنا إلى عمله، أما أنا فرافقتني خيبة الأمل إلى منزلي، وأخذ رأسي يطن بسبب كأسيّ الجعة اللذين شربتهما أثناء حديثنا. وبدأت بالتفكير حينها في أنه من السهل تحديد ما يجعلنا سعداء، وما هو مصدر السعادة. فتبين لي لاحقًا حتى وإن كانت التقنيات العلمية، التي آمل استخدامها، بسيطة (وهي عكس ذلك تمامًا)، فإن من الجلي أن السعادة أكثر تعقيدًا مما توقعت، شيء يختبره الجميع، يريدونه، ويظن الجميع بأنهم يفهمونه.
تتمثل السعادة أمامي كالهامبرغر. فالجميع يعلم ما هو، ويفهمون ماهيته. لكن من أين تأتي شطائر الهامبرغر؟ فالإجابة المتوقعة ستكون ببساطة "مطعم ماكدونالدز" أو "برجركنج". أو أي مطعم آخر من اختيارك.
إلا أن شطائر الهامبرغر لا تأتي من العدم، ولا توجد مصادفة في مطابخ المطاعم السريعة. فعلى سبيل المثال، لديك اللحم البقري (افترض بأنه هامبرغر لحم) الذي تم تجميعه وعجنه على شكل شطيرة من قبل المورد، والذي بدوره يحصل على اللحم من المسلخ، الذي يتم توريده له من ممون المواشي، الذي قام بتربيتها وإطعامها في المراعي، وهذا بدوره يستهلك الكثير من المصادر.
أيضًا الهامبرغر تأتي في شطائر. فالشطائر يصدرها مورد مختلف، الخباز على وجه التخصيص، الذي يحتاج إلى الطحين والخميرة ومواد أخرى أساسية في عملية الخبز (على الأغلب بعض من حبوب السمسم للتزيين الخارجي) تعجن معًا وتخبز بالفرن، الذي يحتاج إلى غاز ثابت لتهيئة الحرارة اللازمة لنضج الخبز. ولا تنسَ الصلصة (كميات كبيرة من الطماطم، والبهارات، والسكر، والتعبئة، والتغليف والتجميع الصناعي) والزينة (الحقول المخصصة لزراعة الخضراوات، التي تحتاج إلى الحصاد، والنقل، والتخزين تحت بنية تحتية معقدة).
كل هذه المكونات تشكل العناصر الأساسية للهامبرغر. لكن ما زلت تحتاج إلى أحدهم ليطهوه. فمن يطهوه إنسان يحتاج إلى الغذاء، والماء، والتعليم والمال. أما المطعم الذي يقوم ببيع هذه الشطائر فيحتاج بدوره للطاقة، والماء، والحرارة، والصيانة وما إلى ذلك ليقوم بعمله على أكمل وجه. وكل هذا التدفق اللانهائي للموارد والعمالة، حتى الشخص العادي لا يمكنه استيعاب هذا الكم من التسلسل، الذي يبدأ بوضع الهامبرغر في طبق أمامك، والذي على الأغلب سوف تأكله بلا تركيز بسبب انشغالك بهاتفك.
ربما كانت هذه صورة تشبيهية معقدة، لكنه المغزى من الموضوع. بالتمعن فيه، يتبين لنا بأن الهامبرغر والسعادة نتيجتان نهائيتان، مألوفتان لكن ممتعتان، لشبكة معقدة للغاية من الموارد، والعمليات والإجراءات. حتى إذا رغبت بفهم النظرة العامة للأمر، يتحتم عليك أيضًا الاطلاع على الأجزاء التي يتكون منها.
أخيرًا وليس آخرًا، إذا كنت أريد معرفة كيفية عمل السعادة، ينبغي عليّ النظر في الأشياء المختلفة التي تجلب لنا السعادة، ومعرفة سرها. لذا، قررت أن أفعل ذلك، مباشرة بعد أن أنتهي من تناول الهامبرغر لا أعلم لمَ، لكن لوهلة تاقت نفسي إلى تناول واحدة.