السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:05 صباحاً
كشفت دراسة حديثة عن استخدام المصريين القدامى لـ "اللبان وصمغ الراتينج الطبيعي" في عملية التحنيط في عصور زمنية قديمة أقدم مما اعتقده العلماء .
تمثل هذه الرسمة المرسومة على قناع مومياء محفوظة في المتحف المصري في تورينو مشهد عملية التحنيط والذي يرجع تاريخها إلى ما بين 30 حتى 323 قبل الميلاد ، لتؤكد نتائج الدراسة الجديدة أن ممارسات التحنيط المتعمد يعود إلى ما قبل آلاف السنين من المعتقد. أنتوني / ألامي .
منذ آلاف السنين وقبل وصول أقدم جثة محفوظة إلى المتحف المصري في تورينو بفترة طويلة وقبل تسميتها بـ " S. 293 " - والتي تعود إلى رجل مات بالصحراء، حيث تقدر وفاته قرابة عام 3600 قبل الميلاد ، إلا أنه من الصعب تحديد وقت وفاته بالضبط أو معرفة مكان العثور على رفاته، لأن جثته المحنطة ليس لها سجلات منشأ حتى عام 1901 عندما اشتراها عالم إيطالي مختص في الآثار المصرية من تاجر وسلمها إلى المتحف.
قضى S. 293 آلاف السنين مضطجعاً على جانبه الأيسر وركبتيه مرفوعة نحو مرفقيه، وبالحكم على حالة أسنانه فربما يتراوح عمره ما بين 20 و 30 سنة عندما مات .
افترض الباحثون لفترة طويلة أن هذه المومياء مثلها مثل غيرها من عصر ما قبل الأسرات (الذي بدأ حوالي 3100 قبل الميلاد) حُفظت بطريقة طبيعية - تحنطت نتيجة دفنها في قبور ضحلة في الرمال الحارة وشديدة الجفاف، وغالباً ما يعتبر العلماء أن هذه الطريقة القائمة على عدم التدخل ركيزة أساسية للممارسات الشاقة في عملية التحنيط المقصود التي صُقلت على مدى 2000 عام حتى وصلت إلى ذروتها خلال عصر المملكة المصرية الحديثة (حوالي 1550-1070 قبل الميلاد) فكان المحنط آنذاك يستخرج أحشاء الجسد ويمتص السوائل منه ومن ثم يلفه بلفائف مصنوعة من الكتان.
نشرت مجلة "جورنال أوف أركيولوجيكال ساينس" دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين بقيادة جانا جونز - وهي عالمة آثار مصرية وزميلة بحث فخري في التاريخ القديم بجامعة ماكواري في سيدني- ناقشوا فيها أن تحنط المومياوات ليس عرضياً، بل إنه نتيجة لوصفة وممارسات وضعت بعناية فائقة .
وعندما ننتقل إلى الحاضر من عام 2014، اكتشفت جونز آثار للدهون والزيوت والراتنجات على المنسوجات المستخرجة من مقابر صعيد مصر الأثرية، والتي يعود تاريخها إلى ما بين 4500 و 3350 قبل الميلاد ، ليكون هذا الاكتشاف إثبات لدراستها مع معاونيها من جامعتي أكسفورد ويورك في أن تحنيط الأجساد يشمل مواد خاصة لم يفكر بها العلماء من قبل، ولكن إجراء الباحثين للدراسات حينها على الأجساد المحنطة ممنوعًا؛ فلم يملكوا إلا قصاصات النسيج للأبحاث، فكما ذكرت جونز "إن المتاحف شديدة الغيرة على مقتنياتها" و "إن علم الآثار المصرية علم حذر ومتحفظ للغاية " إلا أن المتحف في تورينو سمح للفريق بإجراء الدراسات على مومياء "أس 290" التي تمتلك سمات فريدة لأنها عُرفت على أنها لم تخضع لأي عمليات ترميم قد تشوه الأثر الكيميائي لمواد التحنيط .
ساعدت هذه المومياء المعروفة بـ"S. 293" الباحثين في مراجعة والتأكد من معلوماتهم عن التحنيط القديم. أس أف أم إيطاليا أف/ ألامي
عثر الباحثون على أثر زيوت نباتية و راتنج الصنوبر وسكر نباتي واللبان على المنسوجات الملفوفة حول جذع ورسغي المومياء ، فوضحت جونز بأنه "لابد أنها سُخنت ثم مُزجت معاً لأن التحليل الكيميائي يظهر دليلاً لتعرضُها للتسخين، لذا يمكننا تسميتها "بالوصفة " ، بالإضافة إلى اعتقادهم بأنهم استخدموا المستخلصات النباتية العطرية والراتنج كمواد مضادة للبكتيريا - والتي تقول جونز بأنها أصبحت المواد الأساسية لممارسات التحنيط فيما بعد.
يقول ستيفن باكلي - عالم أثار في جامعة يورك ومؤلف مشارك في الدراسة " من المنصف أن نأخذ بالاعتبار الدور الذي أدته العوامل البيئية ودفن المومياوات في رمال حارة وجافة حيث ساهم في المحافظة عليها منذ عصر ما قبل التاريخ، لكن الأهم هنا أن هنالك أيضاً تدخلات بشرية في عملية تحنيط الجثث، وباستعمال الزيوت العطرية".
تعتقد جونز بأن لفائف المنسوجات كانت تُغمس في خليط مواد التحنيط ثم تُلف حول الجسد؛ كما يشتبه باكلي بوجود أداة تستخدم لخلط تلك الوصفة إلا انه لم يعثر عليها بعد .
كم هو سهل أن نعتقد بأننا نعرف هذه المومياوات - لكونها شخصيات مألوفة نراها في المتاحف أو الأفلام ، إلا أن هناك بالفعل الكثير لنتعلمه عن سنواتهم الأولى وكيف جاؤوا إلى الوجود، ومن الآن فصاعدًا لن تؤدي جونز وحدها هذه الدراسات "فأنا سأتقاعد بعد هذه المقالة وأتبع خطاها".