السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:53 صباحاً
مع تطور التكنولوجيا الحيوية، والتغير الذي لاقته الحواسيب والأجهزة الإلكترونية في أحجامها وفعاليتها التي أصبحت أصغر وأفضل عن السابق، ربما يأتي زمان يمكننا فيه زرع تلك الأجهزة الفعالة بالدماغ مباشرة، وأكاد أجزم أن هذه التكنولوجيا لا تبعد عنا سوى بضعة سنين.
إن فكرة أن يكون هناك جهاز في الدماغ ليست منطقية، فجميعنا نعتقد بأنْ لا أحد يجرؤ على وضع جهاز في دماغه، لكنك لو ألقيت نظرة للأشياء من حولك، فستجد أنّ الأجهزة الإلكترونية منتشرة في كل مكان، وليس أمرًا غريبًا أن يكون هناك جهاز في الدماغ، فمثلما أرتدي الآن ساعة داتا بنك كاسيو(ساعة المولعين بالتقنية، كالتي يرتديها آل غور أيضًا) فهي لا تشير إلى الوقت فحسب، بل تحتوي على آلة حاسبة وتقويم المواعيد ودليل الهاتف وساعة توقيت، نرتديها على المعصم، ويمكن استخدامها عن طريق حاستي اللمس والبصر.
تخيل لو أن هذه الساعة؛ التي تعتبر من الناحية التقنية "جهازًا إلكترونيًا" زُرعت في الدماغ، ستكون شريحتها المدمجة صغيرة جدًا وتتزوّد بالطاقة عن طريق المواد الكيميائية الموجودة بالدم، إلا أن الحلقة المفقودة ستكون معرفة إمكانية اقترانها بالدماغ، وبما أن حدوثها قد يكون ما بين 10 إلى 20 سنة، فلا شكّ أنه ثمّة اقتران عصبي سيكون بينهما بكل تأكيد.
إن اقترانها بالدماغ سيشبه استخدامها الآن، ولكن بطريقة سهلة ومريحة؛ فلا حاجة لارتدائها أو خلعها من معصمك، ولا مواجهة صعوبة قراءتها في الظلام. فبعد زرعها؛ سينتبه الدماغ للوقت مباشرة والتاريخ والآلة الحاسبة وساعة المنبه وتقويم المواعيد ودليل الهاتف.
سيكون تحديد المكان هو الفرق الوحيد بعد هذه السنوات، هل سنرتدي الساعة على المعصم مثلا، أم سيكون هناك جهازٌ بدلاً منها بداخل الدماغ؟ وهل هذا سيجعلنا كالفضائيين الذين نراهم في الأفلام هذه الأيام؟
لنأخذ هذا خطوة بخطوة، لنفترض عوضًا عن زرع ساعة بالرأس؛ زرع جهاز أو حاسوب مشابه للحاسوب المكتبي العادي، بحيث يمكننا تخزين ما يقارب 500 ميغابايت بداخله، وتنصيب العديد من البرامج عليه أيضًا، وعليه ستحتوي أدمغتنا على أشياء عديدة، كقواعد بيانات يمكن فرزها، و حلول لعمليات الرياضيات المعقدة، ورسومات بيانية، وشبكة من الاتصالات مرتبطة ببعضها. ولا يبدو ذلك غريبًا حيث إنه مشابه لما نفعله هذه الأيام مع أجهزتنا الإلكترونية؛ لكننا سنضيف عليها استخدام حاسّتي اللمس والعينين.
وكما ذكرت مسبقًا بأن الاختلاف سيكون في المكان وطريقة الاقتران، وأتوقع أنك إذا أردت استخدام الحاسوب لن تذهب إليه؛ بل ستحمله بداخلك وتستخدمه.
سيستغرق الاعتياد على استخدامه بتلك الطريقة بعض الوقت؛ لأنك ستحتاج أن تتعلم كيفية الوصول إليه لينفذ أفكارك ويتبعها، ستكون جميع العمليات تحت سيطرتك وتحدث تبعًا لأوامرك مثلما تفعل مع كمبيوترك المكتبي الحالي الذي يمكنك إيقافه وإعادة تشغيله.
يبدو ذلك مثل شيءٍ غريب وغير مألوف، لكن الأمر شبيه بقيادة السيارة والتحليق بالطائرة في بدايتهما حيث استعجب الناس واستغرب أمرهما، أما الآن؛ فلا نستطيع الاستغناء عنهما.
إن العيش بجهاز داخل الدماغ سيسهل عليك أشياء عدة، بحيث سيصعب كثيرًا نسيان اسم أحدهم أو رقم هاتفه ، فجهازك العقلي قادر على تخزين المعلومات ومن ثم تذكرها عند الحاجة إليها، وفي المقابل إذا أردت نسيان شيءٍ ما كرقم الهاتف مثلًا، يمكنك حينها حذفه من ذاكرة التخزين ونسيانه، أضف إلى أنك لن تضيع يومًا؛ لأن الخرائط ستكون مخزنة وبقدرتك الارتباط بشبكات لاسلكية تُمكنه من تحديد موقعك ومن ثم إرشادك إلى المسار الصحيح.
أما إذا كنت ترى بأنه لا حاجة لخرائط مخزنة في عقلك، فيمكنك اتباع الطريقة التقليدية واستخدام خريطة ورقية والمساهمة في هدر مئات الأشجار من أجل صنع الورق، لأنّ وجودها في عقلك أسرع وأريح عند الاستخدام.
إنّ إمكانية تفعيل خاصية الارتباط بأقرب شبكة حاسوبية منك؛ ستمكّنك من تحميل المعلومات التي تحتاجها، لذا لا حاجة لتحميل جميع المعلومات مسبقاً.
قد يتسم جهازك العقلي ببعض السمات الأخرى الرائعة؛ كإمكانية التحكم بالأجهزة عن بعد، فمثلًا إذا شعرت بالبرد وأنت مستلقٍ على سريرك ليلاً، لا يتوجب عليك مفارقته لتشغيل نظام التدفئة، إن كل ما يجب فعله هو "التفكير" بتشغيله ومن ثمّ سيستجيب لأوامرك ويشتغل، الأمر سيان أيضًا مع باقي الأجهزة المنزلية، ولن يعود هناك وجود لمفاتيح الإضاءة الحائطية؛ لأنها ستشتغل تبعًا لأفكارك.
وعندما تقرر الاتصال بأحدهم، لن تكون هناك حاجة للضغط على الهاتف؛ فهاتفك قادر على قراءة قراراتك الذهنية ويستجيب لها تلقائيًا، لكنني حينها أعتقد بأنه لن تكون هناك حاجة للتحدث على الهاتف، لأنه سيمكنك من إرسال الرسائل إلى الأشخاص كرسائل رقمية ذهنية عن طريق شبكة حاسوبية توجهها إلى الشخص المعني. وعلى هذا النحو؛ ستصبح لغة للرسائل الرقمية الذهنية الإلكترونية الجديدة، وتتيح التواصل الفكري للأشخاص بشكل أسرع وأكثر دقة من التواصل الصوتي و المكتوب.
سيتيح تطور التكنولوجيا الفرص لامتلاك أفضل الأجهزة العقلية، فتحديثها وتغييرها لن يكون شاقًا؛ فبمجرد أن يكون هناك منفَذ وصول صغير خلف الأذن تستطيع منه إزالة الجهاز القديم وتنصيب جديد محله، وقد نشتريها من عروض - سوق - وول مارت بمقابل 39.95 $ .
إن وصلنا لهذه المرحلة من التطور؛ قد نصل إلى إمكانية زراعة جهاز في عقول القطط أيضًا، يُمكّنها من تعلم فتح الباب والخروج مساءً لوحدها.
وما قد يميّز هذه الأجهزة هو التأثير التي ستحدثه على القدرات العقلية، فلو كانت القدرة الحسابية العالية محصورة بشريحة الذاكرة الرقمية المزروعة في عقلك البيولوجي؛ لتحرر من المهام التي يقوم بها الآن، فلن يعود من مهامه تخزين المعلومات والقيام بالعمليات الحسابية؛ بل سيعيد برمجة نفسه ويتفرغ للقيام بمهامٍ أكثر ذكاءً وإبداعاً من مهامه الحالية .
إن الجنس البشري مقبل على نقلة تطورية تقفز به إلى الأمام، فعلى مدى الـسنوات المائة القادمة لن نصبح كما نحن عليه الآن، سنتطور إلى شيءٍ مختلف ومجهول، ويعتمد ذلك على ما سيكون عليه قرار اليوم.