الجمعة , 20 سبتمبر 2024 - 16 ربيع الأول 1446 هـ 4:28 مساءً
بينَ العُزلةِ والوِحْدة
عندما تكونُ وحيدًا؛ فإنك تبحثُ عن شخصٍ أو شيءٍ ما ليسُدَّ فجْوةً في وقتك وجدولك أو في قلبك. تحِنُّ إلى شيءٍ لم يعُد له وجودٌ بعد الآن، ولربما لم يكن لهُ وجودٌ قطْ! تأمُلُ بجليسٍ وتشعرُ بالخيبةِ عندما تجلس لنفسك وحسب.
إنّ الوِحْدة حالةٌ سلبيّة للذّهن وفيها تتوقُ دائمًا للآخر، لا تقنعُ أبدًا ببقائك وحدك، ولا تفتؤ تبحثُ في أيّ مكانٍ عمّن يُكمِلك.
أمّا العُزْلة فهي حالةٌ إيجابيّة للذّهن، مكانٌ كاملٌ يحتويك. تضلُّ فيها مبتهجًا بصحبةِ نفسك. حالةُ رخاءٍ وسعادةٍ وسلام؛ من اللاشيء. حيثُ لا تعوّل على أيّ شخصٍ سوى نفسك فتخلو بها وتلتقيها وتعيشُ معها بسعادة.
وبعد أن تجلّى لنا الفارقُ بينهما؛ ما الذي يعنيه ذلك؟
ربما يلتهمُك شعور الوِحْدة بعد هجْر، أو طلاق، أو انفصالٍ أو بُعْد... أو عندما ينقطع حبلُ الوصْل بينك وبين أحدهم، ولكنك ترجو وتُمنّي نفسك بامتداده تارةً أخرى. تريدُ بشدةٍ مُفرَطة، فيؤثر ذلك سلبًا عليك.
أنت وحيد، إذًا فالخطوة المثالية التاليةُ في هذا الوقت من حياتك هي التغلّب على شعورِ الوِحْدة الذي لا يُطاق، والتحركُ قدُمًا نحو وِحْدةٍ أكثر برْدًا وسلامًا. لتجد كل ما تحتاجه بصحبةِ نفسك؛ والشعور بالسعادة في ممارسة الحياة وتناول الطعام والترويح عن نفسك مع نفسك. تعوّل عليها فقط، فتصبحَ شخصًا مكمّلًا لنفسه، تعرفها حقّ المعرفة؛ وكل ذلك في عُزْلتك.
وقبل أن تشرع في أيّ علاقةٍ جديدة؛ حتى وإن كانت صداقة، يجب عليك أولًا أن تنتهِج نهجَ السعادة وتتذوّق الرّخاء في العُزْلة. فإنْ كنت ذلك الذي لا يسعى إلا لإيجادِ شخصٍ آخر ليملأ خواءَهُ، فستجد قرينك تمامًا؛ وحيدٌ آخر يبحث عمّن يملأ خواءَه. لا يجدرُ بأيّ شخصٍ في الحياة أن يبدأ علاقةً ما -من أيّ نوعٍ كانت- إنْ كان يشعر بالوِحْدة. إنها معادلةٌ فاشلة، والتي ستدفعك حتمًا للخوضِ من جديد في دوّامةِ الوِحْدةِ اللامُنْتهية.
عندما تصل للحظةٍ ما من العُزْلة، وتجدُكَ سعيدًا بعُزْلتك؛ عندها فقط يمكن لأحدهم أن يفتح عينيه ليراك، عندها يمكنك أن تشرع بأيِ علاقةٍ جديدة. ستنجذب لقُرنائك وللأشخاص المُنْعزلين بسلاسة. ستجد من يشبهك، مَنْ لا يضيفُ أو ينقصُ منك شيئًا بقدرِ مشاركتهِ لك ما بينكما من قواسم مشتركة. لأنك تغلّبتَ على وِحْدتك ووجدتَ السعادة في عُزْلتك. الآن، يمكنك مشاركةُ مَن سما لذاتِ العُزْلة.
الوِحْدة تعبيرٌ عن شعور سيء، ولكنها تستحق كل ما تتجرّعهُ من ألمٍ وعلْقَمٍ خلالها، فهي الدليلُ الذي يأخذ بيدك لبلوغِ مرحلة العُزْلة. هنا في عُزْلتك وخلْوتك بنفسك؛ ستكتنهُ ذاتك، ستراكَ شخصًا لم يخطر ببالك يومًا أنك هو. شخصٌ قادرٌ على القيام بالعديد من الأمور التي ظننتَ دائمًا أنْ لا طاقةَ لك بها.
إنّ الإجابة دائمًا بين يديك وسعادتك ورخاؤك وبهجتك وسكينَتك ... جميعها بجِبِلّتك وبإرادتك. كل ما عليك هو إسبالُ جفْنيك وإشراعُ فؤادك، حيويّةً ومُتَنفّسًا.