الخميس , 05 ديسمبر 2024 - 4 جمادي ثاني 1446 هـ 5:42 صباحاً
وصايا للشباب الناشئ
بعد أن علمت أنه من المتوقع أن أتحدث هنا تساءلت عن نوع المحتوى الذي يجب أن أطرحه، فقالوا يجب أن يكون مناسبًا لفئة الشباب، أي محتوى تعليمي أو طرح نافع أو ما يشابه النصيحة الحسنة، وهذا أمرٌ ممتاز حقًّا! إذ لدي بعض الأمور التي تدور في ذهني لطالما كنت أتوق وأتطلع لتعليمها للشباب، لأن بعض التوجيهات في السنوات الأولى من حياتنا الثمينة ستجعلها أفضل وترفع من قيمتها. إذًا هاكم ما سأقوله أصدقائي الشباب - وأنا أقول ذلك بصدقٍ وإخلاص، واطلب منكم الإصغاء لها جيّدًا.
أطيعوا والديكم واتّبعوا أوامرهم على الدوام فهي من أفضل السلوكيات المؤثرة على المدى البعيد، واعلموا بأنكم إن لم تفعلوا ذلك فسيجبرونكم به. معظم الآباء والأمهات يعتقدون بأنهم على علمٍ أفضل منكم، وبأنكم قادرين على الإنتاج والإبداع بمجاراتهم و باعتقاداتهم الوهمية تلك! بظنهم أن ذلك أفضل بكثير من اتخاذكم قرارًا مستقلًّا بأنفسكم.
احترموا من هم أكبر منكم حتى الغرباء، و إذا أهانك شخصٌ ما أو ضايقك وشتمك وكنت في ريبة ما إذا كانت تلك الإهانة بقصدٍ أم لا، فلا تبالغ في اتخاذ التدابير ضده، إنما احمل معك حجارة واضربها به وستشعر بالرضا! وفي حال اكتشفت أنه لم يتعمّد مضايقتك وإيذائك حينها يجب أن تعترف بأخطائك بكل شفافية واقنع نفسك بأنك اخطأت بحقّه واعتذر بقلبٍ صادق. في الحقيقة حاول أن تتجنب العنف دائمًا واظهر الكثير من التعاطف والكرم مع الجميع.
اذهب إلى الفراش باكرًا واستيقظ باكرًا، فإن هذا من الحكمة. يقول بعض العلماء: انهض مع بزوغ الشمس، ويقول البعض اذهب إلى فراشك مع ظهور القمر واستيقظ على العكس منه مع بزوغ الشمس. أظن بأن الاستيقاظ باكرًا يعطيك سمعة رائعة ومكانة مرموقة بين الجميع إذا علموا بأنك تستيقظ باكرًا مع صياح الديك! وإن وفقّت في اختيار الديك الصائب لإيقاظك وعملت معه بشكل صحيح، فيمكنك بسهولة تدريبه للاستيقاظ باكرًا عند التاسعة والنصف-مثلّا- في كل مرة. صدّقني إنها ليست خدعة مطلقًا!
سأتطرق قليلًا لمسألة الكذب. ابتعدوا عن الكذب واحذروا منه قبل أن تقعوا في فخه وإلا ستفقدوا معدنكم الصادق وبريقكم في نظرِ الآخرين. في الحقيقة أن الصدق دائماً يَغلِب وينتصر لأنه أمرٌ عظيمٌ وقاهِر، و الكثير من الشباب قد ألحقوا الضرر بأنفسهم نتيجة الوقوع في شرّ الكذب وأثره وذلك بسبب اللامبالاة التي نتجت عن ممارسته المستمرة. يعتقد بعض العلماء أن الشباب لا يكذبون إطلاقًا وهذا بالطبع أمرُ مبالغ به، فأنا لا أجزم بهذا الأمر إلى هذا الحد وأظن أنني على صواب. أرى أنه يجب على الشباب أن يكونوا معتدلين في استخدام هذا الفن العظيم حتى الوصول إلى الخبرة والممارسة الكافية اللتين ستمنحهما الثقة والتألق والدقة في الكذب والفوز به. بينما الصبر والاجتهاد والاهتمام الشديد بالتفاصيل متطلباتُ أساسية في الوقت الحاضر، التي بدورها ستصنع تلميذا مثاليا. واستنادًا عليهم يجوز له أن يعتمدها كأسس راسخة لتحقيق الرفعة في المستقبل. فكر مليا في سنوات الدراسة والفكر والممارسة والصبر وأساليب ذاك المعلم القديم الذي لا نظير له، والذي كان قادرًا على فرض المبدأ السامي والنبيل على العالم بأسره بأن "الحقيقة جبارة ويجب أن تسود". هذه الجملة بتراكيبها العظيمة التي لم يستطع أحد صياغة ما يواكبها. بناء على تاريخنا العرقي وخبرة كل فرد التي تلتحم بالأدلة على أنه ليس من الصعب قتل الحقيقة، وأن الكذبة الملقاة بأسلوب جيد هي حقّا خالدة وباقية. في مدينة بوسطن يوجد نصب تذكاري للرجل الذي اكتشف (التخدير)، وفي الأيام الأخيرة عرف الكثير من الناس أن ذلك الرجل لم يكتشفه على الإطلاق! بل سرقه من رجل آخر. هل هذه الحقيقة قوية؟ وهل ستسود؟ يا إلهي! حتى وإن كان النصب التذكاري مصنوعٌ من مادة قوية وشامخة فالكذبة التي كان يرويها ستدوم أكثر من مليون سنة من الخزي! كذبة محرجة ضعيفة ومتسربة هو أمر يجب أن تجعله نصب عينيك دائمًا لتتجنب فعل أمر كهذا، لأن الكذب لن يدوم حتى وإن تغلب على الحقيقة فترة من الزمن، لذا يجب أن تقول الحقيقة في الحال وتنفذها. فإن الكذب الضعيف والساذج و المنافي للعقل لن يعيش حتى عامين! - إلا أنه يكون افتراء على شخص ما فإنه غير قابل للتدمير بالطبع. ولكن لا أتوقع أمر كهذا يخرج منك.
كلمة أخيرة:
ابدأ ممارستك لهذا الفن الجميل باكرًا، ابدأ به حالًا! فأنا لو كنت قد بدأت في وقت سابق لكنت تعلمت إتقانه باحترافية.
احذر التعامل مع الأسلحة النارية بلا مبالاة! البؤس والمعاناة التي يسببها تعامل الشباب ببراءة وبلا مبالاة مع هذه الأسلحة لا يمكن وصفه. قبل أربعة أيام فقط في منزل المزرعة المقابل للمنزل الذي أقضي فيه فترة الصيف، كانت هناك إمرأة مُسنة جميلة قد اشتعل رأسها شيبًا، تحمل إحدى أروع الأرواح التي تمشي على الأرض، كانت تجلس في مقر عملها عندما تسلل حفيدها الصغير وسقطت بندقية قديمة صدئة لم يلمسها أحد منذ أعوام، كان من المتوقع أنها فارغة، فالتقطها الشاب ثم أشار إليها ضاحكًا مهددًا بإطلاق النار عليها. ركضت في خوفٍ وهلع وهي تصرخ واتجهت نحو الباب على الجانب الآخر من الغرفة، ولكن عندما مرّت نحوه أشار بالسلاح على صدرها وسحب الزناد!، كان يمازحها بفعلته ظنّا منه أنها فارغة - وقد كان على حق-، لذا لم يكن هناك أي ضرر. إنها حالة فريدة من نوعها لم يسبق لي أن سمعتها! ولكن لا تقحم نفسك في الأسلحة النارية القديمة المفرّغة، فالأسلحة أصعب ما صنعه الإنسان لأنها أكثر الأدوات المسببة للقتل ومن غير المتوقع أثرها. استخدام الأسلحة أمر بسيط جدّا لا يتطلب منك أي جهد وأذى وتدريب مسبق، كل ما يتطلب منك أن تضع الهدف نصب عينيك – مثلًا أحد الأقارب المزعجين- وتصوّب نحوه، وسوف تصيبه بالطبع. هذه الأفعال ليست صعبة على الشباب فإنه من الممكن لشاب أن يتجنب التصويب نحو كنيسة تبعد ثلاثين ميلًا عن حديقة منزله باستخدام بندقية قديمة بتركيزٍ عالٍ، و كذلك يمكنه بسهوله التقاط بندقية مفرغة وعتيقة وحقيبة جدته أيضًا في كل مرة بغمضة عين! فكّر معي كيف سيكون الحال إذا كان في أحد الجيوش شابًّا مسلحّاً ببنادق قديمة يفترض أنها فارغة، وفي طرف الجيش الآخر بعض النساء اللاتي سبق لهن معرفته! التفكير في ذلك فقط يجعل المرء يرتعد.
هناك أنواع كثيرة جدًا من الكتب ولكن أفضلها ما هو مخصص ومناسب للشباب، لذا كونوا واعين في اختياراتكم فهي وسيلة رائعة لا تقدر بثمن وأساليب فعّالة لتهذيب النفس وتطويرها. لذلك كن حذرًا جدًّا في اختيارك فمثلًا "سيرمونس" للكاتب روبيرتسونس، و"سينت ريست" لباكستر، و"الأبرياء في الخارج"، ومختلف الأعمال الشيقة في هذا المجال. أصدقائي الشباب، لقد قلت كل ما يمكنني قوله، و آمل أن تلتزموا بالتعليمات التي قدمتها لكم وأن تجعلوها خطىً تسيروا عليها ونورًا يضيىء بأذهانكم. ابنوا شخصياتكم بعناية استنادًا على هذه المبادئ وبهذه الأمور البسيطة، وبحلول الوقت الذي تكونوا قد بنيتوا شخصكم فيه، ستتفاجؤون وتُسرّون حقًا بالنتيجة حتى تشاهدوا كيف لهذه الشخصيات أن تتشابه على نحو جيد وثاقب بكل شخص مذهلٍ من حولكم.