السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 12:43 صباحاً
يحتاج الذكاء العاطفي إلى إعادة صياغة
هل تظن أنه بإمكانك فهم مشاعر الآخرين؟ فكر مليًا.
ربما قابلت أشخاصًا خبراء في التحكم بمشاعرهم وفهم مشاعر الآخرين، فعندما تعم الفوضى يبقى هؤلاء الأفراد بطريقة أو أخرى هادئين، فيعرفون ماذا يقولون وماذا يفعلون عندما يكون مديرهم مزاجيًا أو عندما يكون حبيبهم غاضبًا، ولا غرابة في أن الذكاء العاطفي كان مبشرًا بالشيء الكبير المقبل في النجاح التجاري– وربما أكثر أهمية من معدل الذكاء IQ– عندما صدر كتاب دانيل غولمان الأفضل مبيعًا: الذكاء العاطفي- في عام ١٩٩٥، وعلى أية حال مع من تفضل أن تعمل؟ مع شخص يستطيع أن يتبين مشاعرك ويستجيب لها أم مع شخص ليس لديه أدنى فكرة؟ من تفضل أن ترافق؟
ويرتكز الأساس التقليدي للذكاء العاطفي على افتراضين معقولين، الأول هو إمكانية كشف عواطف الآخرين بدقة، حيث يقال أن وجه الإنسان وجسده يذيعان السعادة والحزن والغضب والخوف والعواطف الأخرى وإذا لاحظت عن كثب يمكنك أن تقرأ هذه العواطف كما تقرأ كتابًا مفتوحًا، أما الافتراض الثاني فهو أن الأحداث في العالم تولّد العواطف تلقائيًا ويمكنك أن تتعلم التحكم فيها عن طريق المنطق، وهذه الفكرة هي واحدة من أكثر المعتقدات التي تحظى باحترام في الحضارة الغربية، فمثلًا في كثير من الأنظمة القانونية هناك تمييز بين الجريمة العاطفية والتي يُزعم فيها أن عواطفك سلبت قدرتك على التمييز وبين الجريمة المتعمدة التي تضمنت تخطيطًا عقلانيًا, وفي الاقتصاديات يفصل تقريبًا كل نموذج شائع للسلوك الاستثماري بين العاطفة والإدراك.
هذان الافتراضان الأساسيان جذّابان بشدة ومتوافقان مع تجاربنا اليومية، بيد أنه لم يصمد أي منهما في وجه التدقيق العلمي في عصر علم الأعصاب، ويظهر البحث الوفير – من مختبري وغيره من المختبرات – أن الوجوه والأجساد وحدها لا تنقل أي عاطفة محددة بأي أسلوب رتيب، أيضا نعلم أن العقل ليس لديه إجراءات مستقلة للعاطفة والإدراك ولذا لا يستطيع أحدهما التحكم بالآخر، إذا كانت هذه التصريحات تتحدى تفكيرك السليم فأنا معك، إلا أن تجاربنا العاطفية – مهما كانت قاهرة – لا تعكس بيولوجيا ما يحدث بداخلنا، حيث أن فهمنا التقليدي وممارستنا للذكاء العاطفي يحتاجان بشدة إلى ضبط.
فلنبدأ بالافتراض القائل بأنه يمكنك كشف عاطفة شخص آخر بدقة، في الظاهر يبدو ذلك معقولًا، فنظرة إلى وجه أحدهم ولغة جسده تكشف ما يشعر به الشخص أليس كذلك؟ ألم نخبر بأن الابتسامة تحكي قصة ما وأن العبوس يحكي قصة أخرى؟ كما يفترض أن الأذرع المرتفعة والصدر المنتفخ يظهران الكبرياء ويكشف الانحناء أن الشخص حزين.
المشكلة الكبيرة لهذا الافتراض هي أنه في الحياة الحقيقية لا تتحرك الوجوه والأجساد بهذه الطريقة الكرتونية، فالناس السعداء يبتسمون أحيانًا وفي أحيان أخرى لا يبتسمون، بل وأحيانًا يبكون وهم سعداء (في حفل زفاف مثلًا) ويبتسمون وهم أحزان (عند فقدان خالة محبوبة رحلت)، وبالمثل فالشخص العابس ربما يكون غاضبًا أو فقط يفكر بعمق أو حتى يعاني من عسر الهضم، ففي الحقيقة، ففي الحقيقة ليس ثمة تعبير واحد ثابت ومحدد لعاطفة واحدة.
لا تمثل تعابير الوجه والجسد عن عواطف الآخرين.
وقد أكدت عدة دراسات علمية هذه الملاحظات، فعندما نضع أقطابًا كهربائية على وجوه الناس لتسجيل حركات عضلاتهم: نرى بأنها تتحرك بطرق مختلفة لا بطريقة واحدة ثابتة عندما يشعر أصحابها بالعاطفة ذاتها، أما ما يتعلق بالجسد: فتظهر مئات الدراسات أن نماذج للعاطفة نفسها تتضمن اختلافًا في معدل ضربات القلب والتنفس وضغط الدم والعرق وعوامل أخرى بدلا عن استجابة واحدة ثابتة، بل حتى في العقل نرى أن نماذج لعاطفة واحدة كالخوف مثلًا: تُعالج بأنماط ذهنية مختلفة في أوقات مختلفة في كل من الفرد نفسه وأشخاص مختلفين، وهذا التنوع ليس عشوائيًا إنما يرتبط بالموقف الذي أنت فيه.
وباختصار، لا تَظهر عواطف الآخرين على تعابير الوجه والجسد، لأنها متغيّرة دائمًا، فقد يفهم عقلك تلقائيًا حركات أحدهم في سياق ما متيحًا لك أن تخمن بماذا يشعر الشخص لكنه مجرد تخمين لا اكتشاف، فالآن ربما أعرف زوجي معرفة جيدة تكفي لأعلم عندما يكون عبوسه يعني أنه يحل لغزًا ما أو عندما يجب أن أولي هاربة ولكن ذلك لأن لدي سنوات من الخبرة تعلمت فيها ماذا تعني تعابير وجهه في مواقف مختلفة، إلا أن حركات الناس عمومًا مختلفة اختلافًا كبيرًا، ولتدريس الذكاء العاطفي بأسلوب حديث نحتاج أن نقر بهذا التباين وأن تتأكد أن عقلك معد إعدادًا جيدًا لفهمه تلقائيًا.
أما الافتراض المغلوط الثاني: فهو أننا نتحكم في العواطف عن طريق التفكير العقلاني، فغالبًا ما تُرى العواطف كوحش داخلي يحتاج إلى ترويض بمجهود إدراكي، إلا أن هذه الفكرة متأصلة في نظرة وهمية لتطور العقل، حيث تدعي كتب الذكاء العاطفي ومقالاته أن لعقلك نواة داخلية ورثتها من الزواحف المخبأة في البرية وطبقة عاطفية ورثتها من الثدييات وجميعها مكسوة – ومحكومة – بطبقة منطقية بشرية بتفرد، وقد كانت فكرة الثلاث طبقات هذه – المسماة بالعقل الثالوثي – شائعة منذ الخمسينات لكن ليس لها أي أساس في الواقع، فالعقول لم تتبلور في طبقات، بل العقول كالشركات أي أنها تدرك كلما كبر حجمها، والفرق بين عقلك وعقل الشمبانزي أو القرد مثلًا ليس له علاقة بالتقسيم الطبقي إنما يتعلق تمامًا بالتوصيلات المجهرية، وتظهر الآن عقود من أبحاث علم الأعصاب أنه لا يوجد أي جزء من عقلك مكرس حصريًا للأفكار أو العواطف، فكلاهما ينتج عن طريق عقلك بكامله حيث تعمل مليارات الخلايا العصبية معًا.
بالرغم من أن العقل الثالوثي محض خيال إلا أن له حملة علاقات شعبية بارزة، واليوم وبعد عقود من رفض خبراء التطور العقلي للعقل الثالوثي لا يزال الناس يستخدمون عبارات مثل "عقل السحلية" ويعتقدون أن العواطف دوائر ذهنية ضئيلة تشتعل لاإراديًا عندما تواجه المحفز الصحيح، وأنه عند مستوى بيولوجي عميق ما يكون الإدراك والعواطف في صراع، إن كثير منا في الثقافات الغربية يواجه حياته العاطفية كما لو أن جانبه العاطفي يريد أن يفعل أشياء متهورة لكن جانبه الإدراكي يثبط هذه الرغبات، هذه التجارب الملحة كي نكون خارج السيطرة عاطفيًا وتحت السيطرة عقلانيًا لا تظهر آلياتها الأساسية في العقل، ولنطور فهمنا للذكاء العاطفي يجب أن نستبعد فكرة أن العقل ساحة قتال.
وتأتي إحدى الطرق المنطقية المعززة علميًا لتعريف الذكاء العاطفي وممارسته من نظرة علم الأعصاب الحديثة لدور العقل وتسمى البناء: وهي ملاحظة أن عقلك يخلق كل الأفكار والعواطف والمفاهيم تلقائيًا وسريعًا عند الضرورة، وهذه العملية لا واعية كليًا، فقد يبدو أن لديك ردود فعل عاطفية منعكسة وتكشف بسهولة عواطف الآخرين ولكن تحت الغطاء يفعل عقلك شيئًا آخر تمامًا.
وهنا الملخص العام: أهم وظيفة لعقلك ليست التفكير ولا الشعور ولا حتى الرؤية إنما المحافظة على جسدك حيًا وصحيحًا حتى تبقى على قيد الحياة وتنمو (وتنجب لاحقًا)، فكيف يفعل عقلك هذا؟ يتنبأ عقلك باستمرار كقارئ طالع معقد، وتصبح تنبؤاته في نهاية المطاف العواطف التي تشهدها والتعابير التي تراها في الآخرين.
يقضي عقلك حياته بأكملها في صندوق صامت مظلم يسمى جمجمتك، ويستقبل فقط التأثيرات الاستشعارية لما يجري في العالم – المشاهد والأصوات والروائح واللمسات والمذاقات التي تأتي عبر مستشعرات الجسد – ويجب أن يخمن ما أسبابها لأنه قد يكون لأي صوت أو ومضة ضوء أو رائحة أو وخزة عدة أسباب مختلفة، ولعمل هذه التخمينات يعتمد عقلك على تجارب الماضي: ما الذي سبب هذه الأحاسيس مسبقًا في ظروف مشابهة؟ ما الذي نفع لإبقائك حيًا وصحيحًا وربما نافعًا مرةً أخرى؟ فلدى عقلك القدرة المذهلة لجمع شذرات تجارب الماضي لخلق أقرب مضاهٍ لهذه الأحاسيس بالنظر إلى الموقف المحدد الذي أنت فيه، وتجارب الماضي هذه هي تنبؤات، حيث يتنبأ عقلك باستمرار بكل تجربة تمر بها وكل إجراء تتخذه لتخمين ما الذي يجري في العالم وما الذي يجب أن تفعله حيال ذلك.
من وجهة نظر العقل فإن جسدك مجرد مصدر آخر للمعلومات لفهم دقات قلبك وتمدد رئتيك وحرارة الالتهاب وغيره، وليس لهذه التغيرات في جسدك أي معنى عاطفي موضوعي، فالألم المضجر في معدتك مثلًا قد يكون غثيانًا أو قلقًا أو مجرد جوع، لذا يقضي عقلك معظم وقته في إصدار آلاف التنبؤات المجهرية لما يحتاجه جسمك (ماء، جلوكوز، ملح) ويحاول أن يلبي هذه الاحتياجات قبل أن تتصاعد، وأثناء هذه العملية يتنبأ عقلك أيضًا بالأحاسيس التي قد تسببها هذه التغيرات الجسدية كالشعور بأن قلبك محبوس في صدرك كذلك الإجراءات التي يجب أن تتخذها، وتشكل هذه الزوبعة الدائمة من التنبؤات التي تحدث تلقائيًا ودون وعي منك كليًا الأساس لكل شيء تعتقده أو تشعر به أو تراه أو تشمه أو تشهده على أية حال، وهكذا تُصنع العواطف والأفكار والمفاهيم.
لذا يتطلب الذكاء العاطفي عقلًا يمكنه أن يستخدم التنبؤ لإنتاج مجموعة كبيرة ومرنة من العواطف المختلفة، فإذا كنت في موقف صعب يستدعي عاطفة ما في الماضي فسيلتزم عقلك بإنشاء العاطفة التي تحقق أفضل النتائج، وستكون أكثر فاعلية إذا كان لدى عقلك خيارات كثيرة ليختار منها، فإذا كان عقلك يستطيع فقط أن يصنع حالات نمطية للسعادة المبتسمة والحزن المتجهم فهذا كل ما ستشهده وتدركه في الآخرين، أما إذا كان عقلك مهيأ لجعلك تعبس عند الغضب وتبتسم عند الغضب وتحدق بعينيك عند الغضب وتشزر عند الغضب وتصرخ عند الغضب وتغلي بصمت عند الغضب بل وتتواصل مع الآخرين رغم الغضب فإن عقلك يمكنه أن يكيف بدقة عواطفك وسلوكك بما يتلاءم مع الموقف، وبعبارة أخرى: فإن لديك أدوات أفضل لتتمتع بذكاء عاطفي.
وتسمى هذه القدرة: الدقة العاطفية وقد اكتشفتها أنا وطلابي منذ ما يقارب ٢٠ عامًا، حيث طلبنا من مئات الأشخاص محل الاختبار أن يسجلوا عواطفهم طوال اليوم على أجهزة حاسوبية يدوية (في أيام ما قبل الهواتف الذكية)، ومن البيانات وجدنا أن الناس يستخدمون الكلمات العاطفية نفسها لكن ليس بالضرورة ليشيروا إلى الشيء نفسه، فمثلًا: يستخدم بعض الناس كلمات مثل "غاضب" و "خائف" و "حزين" ليشيروا إلى تجارب مختلفة كليًا لكن يستخدم آخرون هذه الكلمات الثلاث بالتبادل للدلالة على "الشعور بالسوء".
عندما تتعلم كلمات جديدة فأنت تنحت التوصيلات الصغيرة لعقلك مانحًا إياه الوسائل لتشكيل تجارب عاطفية جديدة.
الدقة العاطفية أشبه بتذوق النبيذ، حيث يدرك بشدة خبراء النبيذ الاختلافات الطفيفة في النكهة حتى بين الدفعات المختلفة من الكرْم نفسه، ولا يتذوق الناس الأقل خبرة هذه الاختلافات لكن ربما يمكنهم على الأقل تمييز بينوت نوير من نبيذ ميرلوت أو كابيرنت، أما المبتدئ فهو أقل قدرة على إدراك هذه الفروقات – ربما يمكنه معرفة النبيذ المر من النبيذ الحلو أو ربما يبدو مذاقهما كالكحول فحسب.
وبالمثل فإن الناس ذوي الدقة العاطفية العالية خبراء في العاطفة، فيمكن لعقولهم أن تنشئ تلقائيًا تجارب عاطفية ذات اختلافات دقيقة مثل مندهش ومذهول ومفزوع ومصعوق ومصدوم، أما بالنسبة لشخص ذي دقة عاطفية معتدلة فإن كل هذه الكلمات ربما تنتمي إلى المفهوم نفسه "متفاجئ"، وأما بالنسبة لشخص ذي دقة عاطفية متدنية فإن كل هذه الكلمات تعادل الشعور بالإثارة.
الدقة العاطفية مفتاح للذكاء العاطفي، فإذا كان عقلك يستطيع إنشاء الكثير من العواطف المختلفة تلقائيًا والتمييز بينهم بدقة فإنه يستطيع أن يوائم عواطفك مواءمة أفضل مع موقفك، فتكون مهيأ تهيئة أفضل لتوقع عواطف الآخرين وإدراكها في غمضة عين، فكلما عرفت عواطف أكثر أصبح عقلك أفضل في إنشاء المعنى العاطفي تلقائيًا من تصرفات الآخرين، وبالرغم من أن عقلك دائمًا يخمن إلا أنه عندما يكون لديه خيارات أكثر للتخمين منها فعلى الأرجح أنه سيخمن تخمينًا ملائمًا.
كيف تمكّن عقلك من خلق تنوع أوسع من العواطف وتطوير ذكائك العاطفي؟ إحدى الطرق هي تعلم كلمات عاطفية جديدة، فكل كلمة جديدة تغذي عقلك بالقدرة على وضع تنبؤات عاطفية جديدة والتي يمكن لعقلك أن يوظفها كأداة لبناء تجاربك وانطباعاتك المستقبلية ولتوجيه تصرفاتك، فبدلًا من فهم أن أحدهم "سعيدٌ" عمومًا تعلّم أن تميز التفاصيل أكثر، فهل هم "مغتبطون" أم "راضون" أم أنهم " شاكرون"؟ هل هم "غاضبون" أم "ساخطون" أم "مستاءون" أم "يشعرون بالمرارة"؟ تتيح المزيد من العواطف الدقيقة لعقلك أن يتهيأ لطائفة من التصرفات المختلفة فالعواطف العامة (غاضب، سعيد) تعطي معلومات أقل وتحد من مرونتك.
فكرة أنه يمكنك تنمية ذكائك العاطفي عن طريق توسيع مفرداتك العاطفية هو علم الأعصاب الصلب، فعقلك ليس جامدًا بل يعيد تشكيل ذاته بالتجربة، فعندما ترغم نفسك على تعلم كلمات جديدة – عاطفية أو خلافها –فأنت تنحت التوصيلات الصغيرة لعقلك مانحًا إياه الوسائل لتشكيل تلك التجارب العاطفية بالإضافة إلى تصوراتك لعواطف الآخرين بسلاسة أكثر في المستقبل، باختصار كل كلمة عاطفية تتعلمها هي أداة جديدة للذكاء العاطفي في المستقبل.
لدى الناس الذين يستطيعون بناء تجارب عاطفية دقيقة مزايا تفوق تلك المزايا الاجتماعية المتوقعة، فالأطفال الذين يوسعون معرفتهم بالكلمات العاطفية ينمون أداءهم الأكاديمي بالإضافة إلى سلوكهم الاجتماعي وفقًا لدراسات أجراها مركز ييل للذكاء العاطفي (Yale Center for Emotional Intelligence) ، وعادة ما يكون البالغون الذين يبدون دقة عاطفية أعلى أكثر صحة وزياراتهم للطبيب أقل كما أنهم أقل تداويًا وفترة إقامتهم في المستشفى أقصر.
وتعد اللغات الأجنبية مصدرًا عظيمًا للكلمات العاطفية الجديدة لتنمية الذخيرة العاطفية لعقلك، فربما تعرف schadenfreude المنقولة من الألمانية والتي تعني "الاستمتاع بمحنة شخص آخر"، واللغات الأخرى مليئة بالكلمات العاطفية التي ليس لها مرادف مباشر في الإنجليزية، مثل المفردة الفلبينية gigil وتعني الرغبة في عصر شيء لطيف لطافة لا تحتمل و iktsuarpok وتعني في الإسكيمو الشعور بالترقب ونفاد الصبر عندما ينتظرون وصول أحدهم، فعندما تتعلم هذه المصطلحات الأجنبية والمفاهيم الكامنة خلفها قد تصبح قادرًا على إدراك هذه العواطف في الآخرين بل وتجربتها بنفسك.
ومن المفارقات أن الذكاء العاطفي هو أيضًا معرفة متى لا تنشئ عاطفة، فعندما تشعر بأنك مغمورًا فتوقف لحظة وانظر إلى تفسيرات غير عاطفية لما تشعر به، فربما ذلك الشعور بالاضطراب في معدتك ليس قلقًا بل عزيمة، وربما تلك الزميلة السيئة جائعة ببساطة، والشعور بالاضطراب عندما تتحدث مع أمك ليس دليلًا على أنها قالت شيئًا خاطئًا، تذكر عقلك يخمن دائمًا وأحيانًا تخميناته خاطئة.
منذ عقدين مضت عندما وصل كتاب الذكاء العاطفي إلى قائمة الأفضل مبيعًا لم يكن العلماء يعرفون عن العقل المتنبئ أو أن الكلمات التي تسمعها تؤثر على كيفية تشكيل عقلك، وكانت حينها الدقة العاطفية مكتشفة حديثًا.
وفي النهاية: فإن العلم هو مجرد فهمنا الأمثل لكيفية سير الأمور وفقًا للأدلة المتوافرة، وفي مواجهة الاكتشافات الجديدة تتغير التفسيرات تتغاير التفسيرات أحيانا، وهكذا يسير العلم، فالكثير من العوامل التي وضعت تقليديًا خارج حيز العاطفة مثل مفرداتك لها تأثير بالغ على شعورك وماتراه وماتفعله، ولجلب الذكاء العاطفي إلى العصر الحديث يجب أن نتعلم ماهي هذه العوامل – حتى وإن كانت تتحدى المنطق السليم – وأن نستخدمها بحكمة لفهم بعضنا وذواتنا.
(Lisa Feldman Barrett (@LFeldmanBarret : أستاذة علم النفس في جامعة نورثويسترن وهي مؤلفة How Emotions Are Made: The Secret Life of the Brain.