الجمعة , 17 يناير 2025 - 17 رجب 1446 هـ 11:48 مساءً
هل هناك أدلة أدلة علمية تدعم صحة المُعتقدات الخرافية؟
لطالما مثّلت المعتقدات الخرافية مسألة تطوي الكثير من الأسرار عن أصل ظهورها.
مع تطور العلم ووسائله اندثرت الكثير من المعتقدات الخرافية التي لا أساس لها من الصحة، ولايزال بعضها يمثل موضوعًا شائكًا، وتظل التساؤلات الأهم هي ما مدى واقعيتها؟ وهل هي نتيجة لتخيلات يعود مصدرها إلى العصور القديمة؟ أم هل تدعمها نظريات مادية منطقية؟
تُعرف المعتقدات الخرافية عامةً بأنها أفكار ومعتقدات لامنطقية ظهرت بسبب الجهل والخوف من المجهول، فكل واحدة منها مرتبطة إلى حد ما بطاقة أو قوى خفيّة غير مرئية، والتي تتأثر بدورها بموادٍ و طقوسٍ يمارسها البشر، وتتشعب حتى تشمل مواضيع أخرى مثل السحر والشعوذة، فعلى سبيل المثال: لطالما سمعنا منذ نعومة أظفارنا بأن مشاهدة القطط السوداء تجلب الحظ السيء، كذلك الأفكار المغلوطة عن الرقم 13 والتي تعد أشهر الأمثلة على ذلك، فهو يجلب الشؤم وفقًا لاعتقاد الكثير.
وذُكرت عدة أسباب ساهمت في تعزيز هذه الأفكار:
- اجتماع 13 من الحواريين في العشاء الأخير للمسيح، وحينئذ كان المدعو "يهوذا" -الخائن الذي غدر به- هو الشخص الثالث عشر.
- الجمعة التي توافق اليوم الثالث عشر من شهر أكتوبر هي التي قُـتل فيها فرسان المعبد.
- النظرية التي تنصّ على أن الطفل يبلغ سن المراهقة عند عمر 13.
وبالإضافة إلى ما سبق، هناك المزيد من هذه المعتقدات الشهيرة:
رقم 23 الذي يُشاع بأنه يجلب سوء الحظ، والذي أصبح -بسبب الصدف التالية -يشكل مصدرًا للرهاب والخوف:
- أن عدد الكروموسومات لدى البشر هو 23 زوجًا.
- ميل محور الأرض عن مستوى دورانه حول الشمس ب23درجة مئوية ونصف.
المرور بجانب قطة سوداء في طريقك قد يتسبب في سوء حظك.
عند إهداء قفازاتك لأحدهم، فإن ذلك سيسبب له مستقبلا عاثرا.
انسكاب الملح سيجلب لك التعاسة.
والكثير من المعتقدات الخرافية الأخرى التي تسمح للشر بالتسلل من خلالها.
على الرغم من عدم الأسباب المنطقية خلفها، إلا أن جذورها العميقة قد تشعبت حتى وصلت إلى ثقافات أخرى، حتى أنها أثرت على غير المتدينين من الناس.
والجدير بالذكر هو أن المعتقدات الخرافية لا ترتبط بالأقدار المؤسفة وحسب؛ فمثًلا: يعتقد الكثيرون -حتى مع اختلاف ثقافاتهم- أن عَقد الأصابع يجلب الحظ الجيد، وينطبق ذلك على بعض الأجسام المعينة مثل حذوة الحصان وأقدام الأرانب، أيضا ارتباط الرقم 7 بحسن الحظ، ويدعم هذا المعتقد الكثير من الأسباب بما فيها استشهاد الإنجيل به في الكثير من المناسبات.
وسواء دلّت هذه المعتقدات الخرافية على حسن أو سوء الظن، فالحقيقة هي عدم وجود أسباب علمية تدل على صحتها، فهي ليست سوى أفكار مغلوطة توارثتها الأجيال منذ القِدم، ومع ذلك ظل تأثيرها المادي جليًا لآلاف السنين، حتى أصبحت مألوفة حتى للأوساط العلمية، فقد ناقش العلماء الخوف من الرقم 13 رغم عدم منطقيته، وأصبح يصنف حاليًا نوعا من الفوبيا.
الميكانيكا الكميّة والمعتقدات الخرافية
تشكل كل هذه المعتقدات التي لا أساس لها من الصحة أرضًا خصبًة للحديث، ولكن ماذا عند تلك المزعوم بوجود أدلة علمية عليها؟ أو بمعنى آخر: هل هناك أي فكار ونظريات علمية في عصرنا الحالي، يمكنها أن تكون صورة حديثة من الخرافات القديمة؟
تعد الفكرة حتى الآن غير مقبولة وفق النظريات العلمية، فيمكن للعلماء المتخصصين في الفهم العميق لقوانين الطبيعة اختبارها ثم إما رفضها أو قبولها، فعلى سبيل المثال: تعد الفيزياء الكمية مجالًا قائمًا يربط بين العلم والخرافات، فهو يدرس فرضيات محددة ويخضعها للاختبارات، تمامًا مثل ميكانيكا نيوتن الكلاسيكية، والنظرية النسبية لآينشتاين.
فقد وضع نظريته النسبية على هيئة توقعات تناقض النظرة السائدة عن الوقت والمساحة، ألا وهي تمدد الزمن وتقلص الأطوال، وعلى العموم كلاهما خضعا لاختبارات للتحقق منهما، ولم يطل الوقت حتى ظهرت دقة هذه التوقعات، لذلك لم تعد هنالك أي معتقدات خرافية خلفها.
مع كل ذلك لايزال هناك ما يدعم تلك الأفكار، فالمعتقدات المعاصرة تستعين بالعلم والفيزياء الحديثة لتعزيز مصداقيتها غير علمية المنشأ، ويدعم هذه الأفكار طرفان: يمتد أولها إلى المعتقدات القديمة التصوّفية النابعة من الشرق الأقصى، والآخر من مركز العلم والتقنية في الغرب.
النتيجة:
رغم كل المحاولات لربط الفيزياء الكمية مع هذه التخيلات، إلا أنها لم تنجح تمامًا في دعمها علميًا حتى الآن، فقد فرضت الفيزياء والميكانيكا الكمية نتائج غير متوقعة، بعضها شذّ عن المنظور المتعارف عليه من الخبرات السابقة، ولكن الأسلوب الذي يتبعه العلم لايزال ثابتًا.
إن العلم يستند على طرح الفرضيات والتجريب، ومن ثم تنقيحها حتى يصل إلى نظريات معقولة، فهو لا يتصل بخوارق الطبيعة أو المعتقدات الخرافية بأي شكل من الأشكال، ويجب تصنيف “المعتقدات الخرافية” التي أثبتها العلم بأنها ظاهرة ذات أسباب علمية منطقية بدلا عن اعتبارها مجرد خرافات.