الثلاثاء , 03 أكتوبر 2023 - 18 ربيع الأول 1445 هـ 7:24 مساءً
فقدان الذاكرة لايقتصِر على نوع واحد
يخلط الكثير من الناس بين مفهوم ضعف الذاكرة قصيرة الأمد وبين ضعف الذاكرة طويلة المدى وفقدان الذاكرة (أمنيجيا) والزهايمر والخرف. ومن المحتمل أن يعود السبب في ذلك في أن الذاكرة تصنّف من أشد القدرات العقلية تعقيدًا، فمن وظائفها تمكينك من عيش اللحظة الحالية باستخدام الحواس الخمسة، والاحتفاظ بهذه اللحظة لجزء من الثانية، ثم فرز جزء منها للمرحلة التالية لتحتفظ بها عن وعي لمدة تقارب 90 ثانية، وبعدها إما أن تفقد الذاكرة هذه اللحظة أو تنجح بطريقة ما في ترسيخ تأثيرها في العقل ليسترجعها في وقت لاحق.
فقدان الذاكرة التقليدي
عندما يشتكي الناس من ضعف ذاكرتهم قصيرة الأمد، فذلك يعني عدم مقدرتهم على الاحتفاظ بالمعلومات لأكثر من أسبوعين، حيث أن سبب هذه الصعوبة هو عدم تخزين المعلومة بفاعلية
في الذاكرة طويلة المدى، مما يسبب سرعة نسيانها، و إن الذاكرة قصيرة الأمد هي حرفيًا كل ما يمكنك الاحتفاظ به في عقلك الواعي، وقد تبقى لثوانٍ معدودة فحسب: ففي المصعد مثلًا: تتذكر أنك ضغطت زر الطابق الذي تقصده، ولكنك لن تسترجع هذه الذكرى بعد انقضاء حاجتك لها.
لقد أزال هنري موليسون (المدعى ب HM في الأدب الطبي) -والذي يعد أشهر من أصيب بتلف الذاكرة- جزءًا من دماغه جراحيًا يدعى بالحصين، وذلك ليخفف من حدّة نوبات الصرع التي كان يعاني منها بشدة، وبعد العملية الجراحية لم يعد باستطاعة موليسون تكوين أيّ ذكرى طويلة المدى حتى وفاته بعد مرور 50 سنة على ذلك.
وعلى الرغم من التلف البالغ الذي حلّ بذاكرة موليسون لو أُعطي سلسلة أرقام (7 أرقام تقريبًا) وطُلب منه تكرارها بنفس الترتيب فسيتذكرها كما نفعل نحن تمامًا، وذلك لأن “فقدان الذاكرة التقليدي” لا يؤثر على الذاكرة قصيرة الأمد.
فقدان الذاكرة ما بعد الصدمة
ما أصيب به موليسون من فقدٍ للذاكرة يختلف تمامًا عن فقدان الذاكرة ما بعد الصدمة والذي بدوره ينتُج عن إصابات في الرأس، وقد يستمر بعدها لدقائق أو ساعات (أو أيامٍ في بعض الأحيان) ولكن حتى لو انتقلت المعلومات بنجاح إلى الذاكرة طويلة المدى في حالة فقدان الذاكرة بعد الصدمة فستظل تلك المعلومات ضعيفة ومعرضة للنسيان إذا كانت الإجراءات الطبيعية للعمليات الإدارية في الدماغ مهددة بصدمات جسدية.
فقدان الذاكرة النفسي
يختلف فقدان الذاكرة النفسي عما سبق ففي هذه الحالة لا يدرك المصاب به هويته الخاصة وكأن ذكرياته الشخصية قد مُحيت بالكامل، ولكن لا يزال بإمكانه تكوين ذكريات جديدة على الرغم من ذلك.
يعود السبب في الإصابة بهذه الحالة المبهمة إلى التعرض لصدمة عاطفية، حيث تكبح نفسية الشخص الذي تعرض للصدمة الذكريات المرتبطة بتلك الحادثة وتعطل نظام الوصول إلى تلك المعلومات؛ مما يجعل من استرجاعها أمرًا مستحيلًا.
ومن الأمثلة على ذلك: “عازف البيانو” الذي وُجد على ساحل مدينة كينت، غير مدركٍ لهويته الشخصية، ومع ذلك لا يزال يتذكر كيف يعزف على البيانو، و“إدغار لاتوليب“ الذي اُكتشفت حالته مؤخرًا، فقد كان يجهل هويته لمدة 30 سنة، وبعدها بدأ في استعادة ذكرياته فجأة.
يواجه أطباء وأخصائيو علم النفس والأعصاب صعوبة في التأكد من مدى حقيقة فقدان الذاكرة وتلقائيتها؛ نظرًا لقصور فهم هذه الحالة في الوقت الحاضر، وتظهر هذه المشكلة جليّةً: حالة الشك بصدق ادعاء المريض فقدانه للذاكرة لغرض ما، كالحصول على تعويض مادّي.
ومن أشهر الأمثلة على ذلك هي حالة جون داروين الذي اُعتقد أنه قد غرق، بعد اختفائه عندما ذهب للتجديف بمفرده، وبعد عدة سنوات دخل رجل إلى مركز الشرطة زاعمًا أنه جون وأنه لا يعرف هويته الكاملة.
لربما قد تكون هذه حالة فقدان ذاكرة نفسي، حتى ظهرت صور حديثة له ولزوجته في بانما، حيث اتضح أن خبر وفاته كان مدبرًا للمطالبة بتأمين على الحياة، مما سمح للزوجين بالانتقال إلى بانما.
الخرَف
لا يقل الخرَف تعقيدًا عن الحالات السابقة، فهو عبارة عن مجموعة من الاضرابات الانتكاسية يُعرف عادة بالزهايمر، وكل نوع يتفرع منه يؤثر على قدرات المصاب بطرقٍ مختلفة.
إن اعتلال الدماغ يؤثر على مناطق مختلفة داخله مما ينتج عنه تلاشٍ تدريجي في قدرته على تكوين ذكريات جديدة واستعادة تلك القديمة، الأمر الذي يربطه الأغلبية بمفهوم الخرَف، وقد يصل هذا الاعتلال إلى منطقة تخزين الذكريات واستعادتها، لكن لكل نوع من الخرَف علامة يوضحها مكان المناطق المتأثرة به ووظائفها.
على سبيل المثال: في الخرَف الجبهي الصدغي لا تتأثر الذكريات ولكن تتغير تصرفات المصاب به وشخصيته، لكن خرَف دلالة الرموز يسبب مشاكل لغوية، وصعوبة في التعرّف على العائلة والأصدقاء.
ليس من المفاجئ أن تختلط أنواع الذاكرة ببعضها لدى الناس؛ نظرًا للتعقيد الشديد في ذاكرة الإنسان.
بل حتى أنها تلتبس على الأخصائيين أحيانًا.