السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 1:24 صباحاً
التراب، والهواء، والنار، والماء
أمبيدوكليس الأكاراغي - فيلسوفٌ من عصر ما قبل سقراط ذو ذوق رفيع.
يُعدُ سقراط ومن خلفه من أفلاطون وأرسطو أبرز فلاسفة اليونان القديمة، والأكثر تأثيرًا. ومع ذلك، فقد كانت الفلسفة اليونانية مزدهرة لأكثر من قرن قبل مولد سقراط (يُذكر بأن مولده كان في عام ٤٦٩ قبل الميلاد) إذ يُطلق اليوم على هؤلاء الفلاسفة اليونانيين الذين دأبوا على مزاولة نشاطاتهم قبل عصر سقراط بمجموعهم اسم "فلاسفة ما قبل سقراط". فمن شأن أوائل هؤلاء الفلاسفة اليونانيين أن يؤثروا بشدة على أفكار سقراط بحد ذاته، وعلى فكر فلاسفة اليونان الآخرين كذلك. ومن أكثر فلاسفة ما قبل سقراط إثارةً للاهتمام هو أمبيدوكليس الأكاراغي.
المهارات العديدة لأمبيدوكليس:
يُذكر أن أمبيدوكليس وُلِدَ في مدينة أكراغاس اليونانية (كما تُعرف باللاتينية: ‘اجرجنتوم’ وبالإيطالية: ‘أغريجنتو’)، والتي تقع على الساحل الجنوبي لصقلية، وذلك حول العام ٤٩٠ قبل الميلاد. ومن المُعتقد أن أمبيدوكليس ينحدرُ من عائلة ثرية وكما أنه لم يكن مجرد فيلسوف. فوفقاً لما قاله أحد العلماء المعاصرين:
" يتلألأ أمبيدوكليس كالألماس بين فلاسفة ما قبل عصر سقراط بجوانبه العديدة، مختلفًا عن غيره بشتى الأوجه؛ شاعرًا وسياسيًا، وطبيبًا وفيلسوفًا، وعالماً وعرّافاً، رجلاً متباهياً ومحتالاً... "
حضوره الملكي:
فضلاً عن أنه يتمتع بمواهب متعددة، فقد تميز أمبيدوكليس بذوق رفيع في الملابس. وكان لهذا الفيلسوف أسلوبه الفريد في السلوك، والذي بالتأكيد من شأنه أن يجعله بارزًا وسط الحشود. فوفقًا لرواية كاتب سير الفلاسفة اليونانيين القديم، ديوجين ليرتيوس:
" اتخذ ثوبًا أرجوانيًا وارتدى على يده سوارًا ذهبيًا، ... واحتذى حذاءً ذو نعالٍ نحاسية، ووضع على رأسه إكليلاً من زهر الجرس. وكان له شعرٌ طويلٌ جدًا، وله غلمان تابعون: ولطالما حافظ على ظهور مَلمَحِ الهيبة على وجهه، وله وقفة واحدة رصينة. وكان يسير بأسلوب فريد، مما يوحي لعامة المواطنين،ومن قابله ومن أثنى على وقفته، بأن فيه من هيبة الملوك."
صورة تخيلية لأمبيدوكليس من كتاب "تاريخ الفلسفة" (١٦٥٥) لتوماس ستانلي ، Public Domain
نظرية الجذور الأربعة لأمبيدوكليس
اشتهر أمبيدوكليس بنظريته التي تنص أن العالم يتكون من أربعة عناصر، أو أكثر تحديدًا "جذور" – النار، والهواء، والتراب، والماء. ففي إحدى كتابات أمبيدوكليس، كما ذُكِرَ هنا: " اعلموا أولاً أن الأصول الأربعة لكل الأشياء: زيوس في بهائه (المعروف بالنار) وهيرا واهبة الحياة (المعروفة بالهواء) وهايدس (المعروف بالتراب) وبيرسيفون (المعروفة بالماء)". فهذه النظرية هي أعظم ما وضعه أمبيدوكليس، إذ أصبحت العقيدة الراسخة خلال الألفي عام التاليين
بردية تعود لأمبيدوكليس "علم الفيزياء" في أواخر القرن الأول بعد الميلاد Public Domain
عقيدة تناسخ الأرواح لدى أمبيدوكليس ومبدأه في المحبة والكراهية:
تتضمن بعض تعاليم أمبيدوكليس الأخرىعقيدة تناسخ الأرواح:
" إنَّ الإله (روحٌ بلا جسدٍ) والذي بيده عُمُر مَديد/ يَهيمُ بعيدًا عمن باركهم الله لمدة عشرة آلاف فصلٍ ثلاثاً، كِبَرًا عبر الزمان ليصبح أجناسًا مختلفةً من البشرِ/ متخذًا دروبَ الحياةِ الشاقةِ درباً تِلوَ الآخرِ."
ومن مبادئه الأخرى مبدأ "المحبة والكراهية". يقترحُ أمبيدوكليس أن هناك قوتين إلهيتين تسودُ الكون وهما الحب والكراهية. إذ تعمل هاتان القوتان كالقوى المحركة في الكون، فالحب يجمعُ، والكراهية تفرقُ.
خريطة مفهوم أمبيدوكليس للدورة الكونية بناءً على مبدأ المحبة والكراهية CC BY SA 3.0
قصتان حول وفاة أمبيدوكليس:
وأما عن نهاية أمبيدوكليس، فقد نُسجت روايتان مختلفتان عن وفاته. ففي الأولى، ذكرِ ديوجين أن الفيلسوف قضى نحبه وعمره ٧٧ عاماً بعد أن أصابه مرض إثر تعرضه لكسر بفخذه في طريقه إلى مهرجان في مدينة ميسيني، بشبه جزيرة بَلْبُونَس، " وبعد ذلك، فما حدث أنه بمهرجان ما، كان مرتحلاً في عربةٍ إلى مدينة ميسيني، وكان مستاءً وتعرض لكسر بفخذه؛ ووقع على إثره مريضًا طريح الفراش، مما أدى إلى وفاته، عن عمر يناهزُ سبعةً وسبعين عامًا. ويوجد قبره بمدينة ميغارا".
وكما ذكرَ ديوجين روايةً بديلة للأولى (وكما أنها أكثر بهجة) حول وفاة أمبيدوكليس. فبحسب هذه الرواية، والتي اقتبسها كاتب السير من الكاتب المعروف باسم هيرميببوس، وهي أن الفيلسوف قد عالج امرأة عُرفت باسم بانثيا، والتي يعود أصلها كذلك إلى المدينة التي وُلِدَ بها. وهذه الحادثة جديرة بالذكر، وذلك لأن الأطباء الآخرين فقدوا الأمل بإنقاذ حياة هذه المرأة. ونتيجة لما قام به أمبيدوكليس، فقد أقيمت وليمة احتفاءً بشفائها، وهذا يوحي بأن أمبيدوكليس قد أصبح إلهًا خالدًا.
وكما اقتبس ديوجين عن كاتب آخر، يُدعى هيبوبوتوس، والذي ذكر أن أمبيدوكليس أخذ ‘ألوهيته’ على محمل الجدية الصارمة، وسعى في بلوغها حقيقة، وأمرٌ كهذا لابد وأن يؤدي في نهاية المطاف إلى موته.
" نهض وذهب بعيدًا وكأنه كان في مسيره إلى جبل إتنا؛ فعندما وصل إلى حفرةالنار قفز فيها، متمنيًا بذلك أن يبلغ معتقده بأنه أصبح إلهًا خالدًا. ولكن لاحقًا اتضحت حقيقة الأمر بوجود أحد خفيه مقذوفًا. وذلك لأنه كان يرتدي خفين بنعالٍ نحاسي".
جبل إتنا (١٨٤٣) لتوماس كول Public Domain
وبهذا تكون هذه الرواية نهاية قصة وفاة أمبيدوكليس، فيلسوف ما قبل عصر سقراط "رجل كل الصنائع"، بأسلوب يتلاءم كثيرًا مع الطريقة التي عاش بها حياته الدرامية.
الصورة المتضمنة برأس المقالة: نحت على الخشب لأمبيدوكليس والعناصر/الجذور الأربعة.
__________
المراجع
- كامبل، جي.، ٢٠١٥. أمبيدوكليس (ج. ٤٩٢- ٤٣٢ قبل الميلاد). [على الإنترنت] الرابط
- ديوجين ليرتيوس، حياة الفلاسفة البارزين وآرائهم: حياة أمبيدوكليس [يونغ، سي. دي. (فام بالترجمة.)، ١٨٥٣. كتاب ديوجين ليرتيوس حياة الفلاسفة البارزين وآرائهم: حياة أمبيدوكليس.] [على الإنترنت] الرابط
- جامعة الدراسات العليا الأوروبية، ٢٠١٢. أمبيدوكليس – سيرة ذاتية. [على الإنترنت] الرابط
- ماستن، إل.، ٢٠٠٨. أمبيدوكليس. [على الإنترنت] الرابط
- ميكراهان، أر. دي.، ٢٠١٠. الفلسفة ما قبل سقراط. الطبعة الثانية. انديانابوليس: شركة ودار نشر هاكيت.
- باري، أر.، ٢٠١٢. أمبيدوكليس. [على الإنترنت] الرابط
- ستاماتيلوس، جي.، ٢٠٠٦. أمبيدوكليس الأكاراغي. [على الإنترنت] الرابط
- www.crystalinks.com، ٢٠١٥. أمبيدوكليس. [على الإنترنت] الرابط