السبت , 18 يناير 2025 - 18 رجب 1446 هـ 1:23 صباحاً
الأساطير أو الميثولوجيا [وتعني باليونانية = سرد الحكايات] هي دراسة الخرافات وتكوينها الذي أصبحت عليه بعد تناقلها منذ القِدم. يدرُسها طلبة علم الإنسان والدين والفلكلور (التراث الشعبي) بطرقٍ مختلفة، مع التفرقة بينها وبين أنواع قصص الأدب المشهورة والمتعددة، والتي عادة ما تُروى مسموعة. تنقسم الأساطير وفقًا لغرضها الأساسي، منها الخرافات التي تثقّف النّاس، ومنها الحكايات السببية المنطوية على الشرح والتفسير، بالإضافة إلى القصص الشعبية التي تهدف للترفيه.
يمكن أن تؤدي الخرافات غرض إحدى هذه الأقسام أو جميعها، بالإضافة لدورها الهام في توضيح كيفية ظهور الثقافات وتطورها على مرّ الزمان. وبالحديث في هذا الصدد، فإن الخرافات تتعارض مع التاريخ مما يؤثر على الأحداث المستجدة والموثّقة، وتتعارض أيضًا مع الملاحم الشعرية والأساطير المرويّة والتي قد تؤثر بدورها على شخصية تاريخية أو مكانٍ وحدثٍ من الماضي البعيد؛ وتمثل قصة السيدة جوديفا وامتطائها للحصان في شوارع كوفنتري عارية مثالًا على ذلك. فالخرافات قصص يعود تاريخها إلى الماضي السرمديّ البعيد والخيالي، وتحكي عن أصل البشرية والحيوانات وخوارق الطبيعة.
على أن أشهر الخرافات هي الخرافات اليونانية والرومانية واليهودية إلا أن هناك خرافات أخرى لا بمكان شهرتها، كتلك الأسكندنافية (النوردية)، والتي تتسم بأنها تتجنب الميزات الإنسانية للمخلوقات الأخرى والجمادات (التجسيم) كالأساطير اليونانية. أما تلك الهندية والهندوسية العريقة فهي مجردة من كل شيء، وتتحدث عن الحياة الأخروية، بينما المصرية تختص بالخرافات المتعلقة بالشعائر الدينية والقاسم بين أساطير بلاد الرافدين (ما بين النهرين) مع تلك اليونانية هو قاسم الحياة والموت.
وقد كانت الخرافات منذ عصر أسخيلوس تضاف على الأدب لتزينه، وقد استعان بها بعض عظماء الشعراء الإنجليز، وابتدعهم بعض كبار الشخصيات الأدبية كويليام بليك وجيمس جويس وفرانز كافكا وويليام بتلر ييتس وتوماس ستيرنز إليوت ووالاس ستيفنز، وكلهم قد ابتدعوا خرافات استلهموها من تلك المشهورة.
تفاسير الخرافات قديمًا:
توجد نظريات متعددة عن أسباب تشابه الخرافات ببعضها وقد حاول بعضهم تفسير سخافة هذه الخرافات بتأويل معانيها بتجنب القدسية وعدوها مجرد روايات ركيكة عن التاريخ. بينما فسرها أهل الإغريق بأنها استعارات مجازية باحثين في طيّاتها عن الوقائع في قالب شعري مؤثر، وناقد ردجيو الأدبي (Theagenes of Rhegium) من أقدم المناصرين لهذه التفاسير في القرن السادس قبل الميلاد، وقد استحدث الرواقيون معظمها فبدورهم ساووا الآلهة الإغريقية بالعناصر الطبيعية وأنزلوها منزلة المبادئ الأخلاقية، فاعتبر يوهيميروس أن الآلهة ماهي إلا شخصيات تاريخية قد ألهها الناس مع الوقت، وتقول تفاسير أخرى أن الخرافات نتجت عن التفرقة بين الإنسان والحيوان والجماد والنبات، لأنهم اعتقدوا أن كل شيء آخر كالحيوانات والصخور والنجوم تعقل وتعي كالإنسان تمامًا وأن الأموات يسكنون عالم الأحياء بهيئة روحية.
وقالوا كذلك مجازًا أن الخرافات ابتكرها حكماء في زمنٍ ما لتوضيح الحقائق ثم مع مرور الوقت أصبح الناس يفهمونها بمعناها الحرفي الصرف. فمثلًا أصبح كرونوس الذي التهم أطفاله مثل كلمة يونانية معناها الوقت ترمز لكل شيء يقتل الحي.
أما ماكس مولر فقد فلسف الخرافات بعيدًا وقال أن نسيان الناس وتشويههم لمعاني الكلمات هو من عيوب الخرافات، فعبارة (الفجر يعقبه شروق الشمس) يمكن أن تفسّر بالإغريقية على أنها تعني ملاحقة أبولو لدافني، عذراء الفجر. وهناك فلسفات أخرى تشبهها تقول أن الخرافات كالإنجيل محرفة من زمان لآخر، ولذلك نجد أن دوكاليون هو اسم آخر لنوح. وتقول نظرية الانتشار أن الأساطير تنتمي إلى زمن قديم عريق ومن ثم انتشرت بأشكال أخرى بسبب السفر والتنقل بين القارات. لقد أصبحت الأساطير الإغريقية مقارنة بغيرها تفسر على أنها مشتقة من المدونات الأدبية ومن تشكيلها الأساسي كقصائد ملحمية، فهذه ملاحم هوميروس مجموعة متقنة من أنواع الأساطير المليئة بالخرافات والحكايات الشعبية.
نظريات حديثة:
بدأت أبرز التطورات الحديثة للأساطير في القرن التاسع عشر، حيث ناقش علماء مثل السيد جيمس فريزر والسيد أدوارد بيرنت تيلور علم الأساطير على أنها منظومة اجتماعية وليست تاريخًا فاسدًا، ودعوا إلى الاهتمام بخرافات المجتمعات البسيطة المعاصرة، وباعتبار أن بعض الخرافات تحمل سمعة سيئة بسبب احتوائها على الأفكار الساذجة والعرقية، فقد فرضت النظريات المتطورة لتايلور وأندرو لانغ أن هناك إلى درجة ما عقليات وحشية وهي ما تسببت في ظهور مثل هذه الحكايات. بينما ناقشت نظريات حالية أن هذه الخرافات قامت على أسس نفسية وعاطفية وربطتها بالدوافع الدينية، وبالنسبة لفريزر صاحب كتاب “الغصن الذهبي” الذي ساهم في تغيير مجرى التاريخ والذي أصبح من الأعمال الثابتة عن علم الأساطير، رأى أن جميع الأساطير والخرافات مرتبطة في أصلها بفكرة الخصوبة في الطبيعة والموت والمولد، وإحياء الأرض بعد موتها باستمرار. واعتقد المحلل النفسي كارل يونغ أن هناك نزعة فطرية لدى جميع البشر على ابتكار رموزٍ متعلقة بهذه الأساطير، ولكن العالم الديني ميرسيا إيلياد قد رجّح بأن الخرافات تُروى دائمًا كشعيرة من أجل إعادة إحياء بداية الزمان وفجر التاريخ عندما بدأ الخلق، حتى يتسنى للمرء أن يعود ليتفكر في أصل هذا الصنع الإبداعي الناجح. أما أولئك الذين وصفوا كل ما هو معتاد بأنه يتسم بالدونية والدنس، فقد رأوا أن الخرافات هي خطابات مقدسة مما يجعلها تمثل شكلًا من أشكال الشعائر الدينية الكونية، وهكذا وصف فريدريك شلايرماخر الخرافة بأنها: تصوير تاريخي لما هو إلهي وفوق تاريخي”.
يحرص طلبة علم الأساطير المعاصرين في وقتنا الحالي على السياقات المختلفة التي ظهرت فيها الخرافات عوضًا عن محاولة تفسير أوجه التشابه بين قصصها. فهم يؤمنون بأن الخرافة يمكن أن تؤثر على ثقافة معينة بطريقة جديدة، كما يمكن أن يختلف تأثيرها من ثقافة إلى أخرى. ويرى فرويد سيغموند أن اللامنطقية التي تتميز بها الخرافات قد تسبب بها نفس المصدر الذي يجعل الأحلام غير مترابطة; فجميعها انعكاسات مجازية للمخاوف المكبوتة والقلق اللاواعي. فالقلق والمخاوف قد يمثلّان جانب كوني موحد في تركيبة الإنسان، أو جانب محدد لتمييز المجتمعات عن بعضها. بينما اعتبر عالم الإنسانيات برونيسلو مالينوفسكي أن جميع الخرافات هي أدلة على ممارسات وأعراف قد وجدت سابقًا. وعلى غرار ذلك، فقد بحث رادكليف براون عن كيفية تشديدها وتكرارها لمعتقدات المجتمعات وشعوبها ومشاعرهم وأخلاقياتهم.
وقد عاد كلود ليفي ستروس إلى دراسة جميع الخرافات بالتركيز على خصائصها الأساسية عِوضًا عن تحليل العناصر والمواضيع التي غالبًا ما تظهر في محتواها. بالإضافة إلى أنه دعا إلى التركيز على تكرار ظهور حبكات معينة في محتوى مختلف من أنواع الأدب الفلكلوري، كما قد قلص نطاقها إلى متناقضات ثنائية محددة كالطبيعة والحضارة، والنفس والغير. وزعم أن دماغ الإنسان ينظم التصورات السائدة حسب تناقضاتها، ثم ختم استنتاجاته إلى أن بعضها يعد كونيًا، كما أشاد بأن مفهوم الخرافات ما هو إلا تحولات ثقافية خاصة لهذه الهيكلة الكونية.