الجمعة , 17 يناير 2025 - 17 رجب 1446 هـ 11:20 مساءً
إن الترجمة أساس تحقيق التواصل وتوضيح المعاني بين الشعوب في الأمور التجارية اليومية والأنشطة الحضارية والدينية، وإن امتداد جذور الترجمة العربية منذ قديم الزمان هو متأصل في نشر المعرفة والعلم بين الشعوب على مر الزمان.
يعود تاريخ الترجمة العربية إلى القرن الثاني حينما ترجم العرب التاريخ الفارسي إلى اللغة العربية، فقد مرت الترجمة بمراحل عديدة تغيرت معها منذ ذلك الحين، ابتداءً من مجرد فهم المقصود بين التجار العرب والدول المجاورة، مرورًا بعصر الازدهار والتنوير في العصر الإسلامي الذهبي، حتى عصر التقنية والعولمة المعاصر.
وازدادت عناية العرب بالترجمة مع ظهور الإسلام، فقد شجّع الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وتابعيه على تعلم اللغات الأجنبية وترجمة معاني آيات القرآن الكريم ومفاهيم الدين الإسلامي لتعليمها للشعوب الأخرى، ووصلت قمتها خلال العصر العباسي أثناء إقامة مدينة بغداد لا سيما في عصر الخليفة المأمون الذي أسس "بيت الحكمة" وهي أهم مؤسسة مختصة بالترجمة في تلك الحقبة.
وقد أصبحت العواصم الإسلامية كبغداد والقاهرة وقرطبة من أحرص المراكز الثقافية للعلوم والفلسفة والطب والتجارة والتعليم في ذلك الوقت، وكان يقصدها العلماء من أرجاء العالم للتعلّم والدراسة من اللغة العربية وإليها، فقد كانوا حريصين على ترجمة العلوم من الحضارات القديمة إلى العربية والفارسية، ومن ثم ترجمتها إلى لغات أخرى كالتركية والعبرية واللاتينية، وقد سطع بعض المترجمين ذلك الوقت كابن المقفّع، الذي ترجم روائع المخطوطات من اللغة الفارسية والهندية ومنها "كليلة ودمنة"
لقد حظيت ممارسات الترجمة على تقدير كبير إلى جانب المترجمين أنفسهم أيضًا، فالخليفة كان يكافئ من تميّز من المترجمين بمقدار ما يترجمونه ذهبًا، وقد تميزت الترجمة بالدقة والصحة والتوافق، فلم يكن المترجم يدّخر جهدًا في تحرّي المراجع والتحقق من ترجمته والحفاظ على جودتها، فقد كانوا حينها يرتحلون إلى بلدان بعيدة مُفنين سنوات من عمرِهم في البحث والتحقّق، وربما أصدروا عدة ترجمات في بغية الوصول إلى الجودة المطلوبة.
لم يقتصر دور الترجمة العربية على نقل المعلومات فحسب بل أيضًا على الحفاظ على العديد من القضايا العربية كجزء من العالم، فخلال القرن الحادي عشر حتى الثالث عشر، نقلت أوروبا المعرفة إبّان عصورها الوسطى من الحضارة العربية وقد بلغت ذروتها في ذلك العصر. ولا شك أن أهم حدث حدث في ذلك الزمان هو إعادة اكتشاف وترجمة النصوص التاريخية العريقة من اللغة العربية لاسيما أعمال أرسطو، حيث حافظت هذه الأعمال المترجمة على تلك النصوص وساعدت على انتشار نواحي التقدم العربية في العالم الإسلامي؛ كعلم الفلك والجبر والكيمياء والجيولوجيا في القرن العاشر.