الجمعة , 17 يناير 2025 - 17 رجب 1446 هـ 11:15 مساءً
تحتاج للجهد والصبر كي تعوّد ابنك على التوفير بعدما كانت عنده حصالة لجمع المال إلى بطاقته البنكية الجامعيّة.
إنّ تعويد الأطفال على التوفير في طفولتهم يهيئهم لتحمل المسؤولية المالية ويساعدهم على التعامل مع التحديات القادمة، من حدود يفرضونها كي لا يصرفوا المال، خطط لميزانيتهم، أو ضبط نهمهم للتسوق، ثمة طرق مختلفة يتعود بها الأطفال على التوفير وحسن الإنفاق، وسنذكر هنا بعض الأسس التي تساعد الآباء على ذلك.
علّمهم من الصغر
لا شك أنه ما من وقت محدد لاكتساب عادات إنفاق حسنة، إلا أن الحوار مع الطفل يمنع تفاقم الأمر مستقبلًا، وقد اقترح الدكتور ديفيد أندرسون، الأخصائي النفسي السريري في معهد تشايلد مايند إنستيتيوت أنه يفضل أن يتحدث الوالدان مع أبنائهم عن المال عندما ينتقلون في مرحلتهم الدراسية إلى الصف الثاني أو الثالث وأضاف: "في تلك المرحلة يكتسب أغلب الأطفال مهارات حسابية تُمكّنهم من فهم هذا النوع من العمليات".
حدّثهم عن المال
إن الحديث اليسير عن المسائل المالية ركيزة في تكوين علاقة سليمة بين الطفل والمال، وتقول المدربة المالية لين سومرمان مؤسِّسة شركة ذا وايزر مايزر: "لا يكفي الحديث عن المال في محادثة واحدة بل يجب أن يكون من الحديث اليومي، فعندما تواجهك مشاكل مالية حاول أن تصرح بها أمام أطفالك بأسلوب مقبول".
ومن السُّبل المساعدة هي إشراك أطفالك في عملية اتخاذ قرارات مالية أساسية، فمثلًا عندما تخرج للتبضع في أحد الأسواق المركزية، دعهم يلقون نظرة على العروض المخفضة ويتعرفوا عليها قبل أن يقرروا وجبة العشاء مثلاً، أو اطلب منهم اتخاذ قرارات تتعلق بالميزانية كأن تخيرهم بين زوج واحد من الأحذية باهظة الثمن أو زوجين من الأحذية رخيصة الثمن تبعًا للميزانية المخصصة لذلك.
ناقشهم أيضًا عن أمور أخرى كأسباب الغلاء، أو اطلب منهم مساعدتك في المقارنة بين أسعار المنتجات ومعرفة ما يميز كل منتج عن غيره، وهل غلاء المنتج متعلق بالعلامة التجارية التي صنعته؟ وهل هناك عوامل أخرى تميزه وتبرر سعره المرتفع كاختلاف الجودة أم أنه نوع من الاستغلال وحسب؟
كن قدوتهم في التوفير
يراقب الأطفال آباءهم ويقلدونهم، وهذا التقليد يحسن إدارتهم للمال أيضا، فاتباعك العادات المالية الصحيحة مهم لزرع بذرة الإنفاق الحسن في أذهانهم.
فهم طفلك قواعد وأساليب الصرف في عائلتك كأن تذكر بعض الأمثلة القريبة لمستوى تفكيرهم ليسهل عليهم إدراكها، وهنا بعض الأمور التي قد تجربها معهم:
- حدد ميزانية قبل التوجه لأي متجر والتزم بها أثناء التسوق، حتى لو حتمت عليك ميزانيتك التخلي عن شراء ما يرغبون به.
- وضح لهم أنك تدخر المال لأمور مستقبلية كالإجازات أو شراء سيارة جديدة أو مصاريف الدراسة الجامعية أو لضمان راحتك المادية بعد التقاعد.
- علمهم إصلاح الأشياء بدلًا من رميها عندما تتعطل.
- لا تعودهم على حياة المكافأة بالشراء أو التسوق للترفيه.
- علمهم ألا يشتروا كل ما يستهويهم بمجرد رؤيته أمامهم، وأن يمهلوا أنفسهم بضعة أيام ويجيبوا على هذا السؤال: هل ما زال ذلك الحذاء الذي رأوه في السوق عالقا في أذهانهم أم نسوه تماما؟
عندما يحسن الوالدان التصرف فإن الأبناء يحذون حذوهم ويدركون أن الإنفاق الذكي هو جزء مهم من تطورهم ونضجهم، وكما يقول الدكتور أندرسون: "حينها يصبح الالتزام بالحدود أمرًا هينًا".
المصروف
هناك طريقة شائعة جدًا لتعويد الأطفال على مسؤولية الإنفاق وهي منحهم مصروفًا تحدده لهم وأيًا كان مقدار هذا المصروف إلا أنه وسيلة رائعة لتعليمهم أساسيات الإنفاق.
ويعتقد الدكتور أندرسون أن علينا أن نفكر أولًا في المناسبة المرتبطة بذلك المبلغ المالي، فبالتأكيد هناك أوقات مثل حفلات الميلاد أو الأعياد التي يهدى فيها الطفل بعض المال، ولكن يجب أن يعامل هذا المال على أنه أجرٌ اكتسبه بجهده لا هدية أسبوعية، ونشعره بذلك سواءً حصل على هذا المال لأنه أحسن في التحصيل الدراسي أو الأعمال المنزلية.
الإنفاق والادخار
الأمر الذي يجب أن تفكر به بعد ذلك هو كيف سيصرف أطفالك مصروفهم؟ وهنا يأتي دور الوالدين بتقديم بعض الدروس حول الميزانية والادخار وضبط النفس وكبح الرغبات.
وأول خطوة لتحقيق هذا هي إنشاء حساب للادخار، وكما يقول الدكتور أندرسون: "غالبًا ما نشجع الآباء على أن يقتطعوا جزءا من المبلغ ويسلموه لأبنائهم نقدًا لينفقوا منه كما يحلو لهم ثم يُحوَّل باقي المبلغ مباشرةً إلى حسابهم الادخاري، واتفق مع طفلك على خطة ادخار، ثم ناقش معه الأشياء التي يود الادخار لأجلها، وهنا بعض الأفكار التي قد تساعدك:
- رحلة إلى متنزه يحبه
- فيلم حصريّ يتطلع لمشاهدته
- دمية أو لعبة أو حتى قطعة ملابس يرغب بها (لكنه ليس بحاجةٍ إليها)
يقترح الدكتور أندرسون أن تعطيَ طفلك الفرصة ليفكر بماله الذي ادخره لتحقيق هدفه المنشود وما إذا كان سيستخدمه أم أنه سيستمر بالادخار، بهذه الطريقة وكما يقول الدكتور: "يمكن للأطفال أن يقرروا متى يصرفون شيئًا يسيرًا من مالهم ومتى ينفقون قدرًا منه على شيء مفيد وقيم يستدعي دفع ما ادخروه للحصول عليه".
حدّثهم عن القيمة
هناك أيضًا وسيلة أخرى ظهرت مؤخرًا وأصبحت شائعة ألا وهي تقسيم مال الطفل إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول للصرف والثاني للادخار والثالث للتبرع، يقول الدكتور أندرسون إن هذا يجعل الأطفال يفكرون في وضع ميزانية ويحكمون رغباتهم بل ويعلمهم "التفكير بدورهم في هذا العالم" وقد يقرر الطفل التبرع بجزء من ماله بسبب حديث عائلي قديم أثر به.
تتفق سومرمان مع الدكتور أندرسون قائلة: "تحدث عن اختلاف دخل الناس والفقر أيضًا، سواءً كانت أمثلةً من واقع حياتك أو من التلفاز"، فإدراك الطفل أن الناس متفاوتون في ما يملكون من الأموال لشراء حاجاتهم من طعام أو ألعاب أو ملابس أو حتى منزل مريح سيعينه على تمييز الأمور المهمة.
وقد يطبق الوالدان الخطة نفسها مع الأبناء الأكبر سنًا لكن مع منحهم استقلاليةً أكبر في اتخاذ القرار، وهنا توصي سومرمان باستخدام أظرف ورقية أثناء جلوس الوالدين مع الابن لتحديد ميزانية المصروف المتوقعة، وعندها يقسّم المصروف ويوضع في عدة أظرف، فعلى سبيل المثال يُخصص ظرف لشراء الملابس، وآخر لوسائل المواصلات العامة، وظرف ثالث للمصاريف العامة كالترفيه مثلًا، وأي مبلغ فائض من هذه الأظرف يدخر للشهر الذي يليه، والأمر ذاته ينطبق إذا ما حصل العكس، فمثلًا إذا لم يكن الظرف المخصص للوقود كافيًا، حينها من الممكن اقتراض بعض المال من الظرف العام، هكذا سيلحظ الأبناء تناقص المال واختفاءه من الأظرف مما يجعل الإنفاق شيئًا ملموسًا أمامهم مقارنة بالشراء عن طريق البطاقة الائتمانية التي لا تشعرك بمقدار المال الذي أنفقته وما بقي منه.
أما إذا كانت هناك بعض الأمور غير المرنة في الميزانية كمصاريف الدراسة الجامعية مثلًا، فبإمكاننا استبدال فكرة وضعها في الأظرف بإيداعها في حساب الادخار.
مساعدة الأطفال الذي يعانون من فرط الحركة وقلة الانتباه
إذا كان طفلك يعاني من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه فقد تشكل إدارة الأموال تحديًا له، وهنا يوضح الدكتور أندرسون أن "من السمات الأساسية التي نلاحظها عند الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه انعدام قدرتهم على كبح رغباتهم، وقلة التفكير في العواقب لأي قرار يُتخذ، ومنح الأولوية للمكافأة الصغيرة الفورية على حساب المكافأة الأكبر التي قد يحصل عليها لاحقًا" وكل هذا قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات مالية سيئة.
وهناك عقبةٌ أخرى محتملة ألا وهي أن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراب وراثي، وبناءً على ذلك فإن آباء الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يعانون من السمات ذاتها آنفة الذكر أيضًا لذلك قد يكون من الصعب عليهم تعليم أطفالهم طرق الإنفاق الصحيحة في حين أنهم هم أنفسهم لا يتقنونها، وخاصة إذا كان الأب يشعر بأنه عاجز عن إدارة شؤونه المالية، فيقول الدكتور أندرسون: "حينها يحتاج الأب مساعدة طبيب نفسي جيد أو مختص بالصحة العقلية"، فالعمل مع محترف قد يساعد الآباء الذين يعانون في سبيل تحسين عاداتهم المالية على تسهيل اكتساب هذه المهارات.
لا بأس بالخطأ
قد يكون أصعب جزء في تعليم الأطفال سلوكيات الانفاق الحسنة هو حتمية ارتكابهم للأخطاء والذي سيؤدي إلى خسارات مالية ومع هذا علينا منحهم مساحة كافية لتجربة بعض التصرفات الخاطئة ليتعلموا من عواقبها.
عندما قتريقترف الطفل خطأ، وخاصةً عندما يكلفه هذا الخطأ الكثير، قد تفكر في أن تسلبه كل المسؤوليات والامتيازات التي منحتها له وإلى الأبد، ولكن ضع في الحسبان أن هذا قرار خاطئ فعادات الانفاق الحسنة لا يمكن اكتسابها من أول محاولة والقرارات الخاطئة واردة، ولهذا عليك التحلي بالصبر حتى يكتسب طفلك تلك العادات، ولهذا يؤكد الدكتور أندرسون على دور الآباء قائلا: "من الضروري معرفة طرق مساعدة الأطفال على ممارسة تلك السلوكيات المسؤولة في مرحلةٍ ما، وإن لم نعلمهم نحن، فلن يتسنى لهم تعلمها إلى الأبد".