الخميس , 20 مارس 2025 - 20 رمضان 1446 هـ 2:41 مساءً
لأني متعافية من عقدة المثالية أشعر بضرورةِ تسمية الأمور بأسمائها الحقيقية، فالمثالية ليست فضيلة، ولكنها صبغة ثقافية اكتُسِبت مع الوقت فأصبحت من ثقافتنا، حتى صار المنجزون والمسوّفون يحسدون المثاليين ويغارون منهم ويحتقرونهم أمام قدراتهم الكبيرة في إنجاز أعمالهم مع قلة نومهم.
إنّ الإفراط في العمل من تقديس المثالية، وهذا ما جعل المثاليون يبغالغون في أعمالهم ويتباهون بساعات انشغالهم الطويلة وساعات نومهم القليلة، وازدرائهم بعض العبارات الشائعة (ارفق بنفسك) أو (يوم الراحة) .
وتمجيدنا للمثالية هو من أسباب قلة إدراكنا لها، وهي:
إنّ المثاليّ لا يبالغ في إنجازه فحسب، بل يسعى جاهدًا للتعويض عن شعوره بالنقص واحتقاره لنفسه، وقلقه الشديد وشعوره المستمر بالنقص هو دافعه المستميت إلى المثالية لا الإبداع.
ومن الأعراض الشائعة للمثالية: التفكير المفرط والخوف الشديد من الفشل والهوس بقوائم المهام والأنظمة ومواعيد تسليم الأعمال –وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وقد يتوهم بعضهم أن هذه الخصال نافعة ومؤثرة ومحفزة، وهذا صحيح فالتفكير المستمر نافعٌ إن كنّا نحن من يحكمه، وربما يكون الخوف من الفشل وقودنا لبلوغ الأهداف – إن كان معقولاً، ولا شك أنّ الدقة والاجتهاد أمور محمودة ما لم يُرغم المرء عليها.
إنّ مساوئ المثالية تكون في تأثيرها على صحة المرء النفسية على المدى الطويل، فدوام هذه الأعراض السلبية من قلق وتشكيك بالذات قد تفتك به.
والحل هنا -عوضًا عن التصفيق للمثالية وحث الآخرين عليها- هو التركيز على الجندي الخفي خلف هذه الإنجازات لا على الإنجازات نفسها، وبدلاً من انتهاج منهجيات عدوانية تحيي فينا مشاعر القلق والتشكيك في الذات علينا أن نترفق بأنفسنا وننتهج منهجًا لطيفًا نشبع به فضولنا.
فما الذي يمنعنا من أن نرفق بأنفسنا؟