الجمعة , 20 سبتمبر 2024 - 16 ربيع الأول 1446 هـ 4:47 مساءً
يدعي المنطق السائد أن أفضل طريقة نحقق بها ما نريد في حياتنا — كالظهور بمظهر حسن، أو تأسيس مشروع تجاري ناجح، أو الاسترخاء بلا قلق، أو الجلوس مع الأصدقاء والعائلة — يكون في تخطيط محدد يمكن تحقيقه.
كنت أعيش على هذا النهج لسنوات طويلة، وكانت حتى في عاداتي، فكل عادة كانت هدفًا يجب تحقيقه ووضعت أهدافًا للدرجات التي أردت الحصول عليها في المدرسة، ولأوزان الأثقال التي أردت حملها في الصالة الرياضية، وللأرباح التي رغبت في جَنيها من العمل، ونجحت في تحقيق بعضها، ولكنني فشلت في الكثير منها، حتى فطنت أن النتائج المحققة لا علاقة لها بالأهداف التي وضعتها بل بالنظام الذي كنت أتبعه.
- إن كنت مدربًا، فقد يكون هدفك الفوز ببطولة ما، وستأتي بنظام توظف به لاعبين جدد، وتشرف به على مدربيك المساعدين، وتجري به تدريباتك.
- وإن كنت رائد أعمال، فقد يكون هدفك هو بناء مشروع تجاري بملايين الدولارات، وحينها سيكون النظام الذي تتبعه هو كيفية اختبار أفكار المنتجات، وتعيين الموظفين، وإجراء حملات إعلانية.
- وإن كنت موسيقار فقد يكون هدفك هو عزف مقطوعة جديدة، وهنا سيركز نظامك على عدد المرات التي تتدرب فيها، وطريقتك في فهم الايقاعات الموسيقية المعقدة، وتقبلك لملاحظات مرشدك.
لننتقل الآن إلى السؤال: هل ستنجح إذا تجاهلت أهدافك وركزت فحسب على نظامك؟ خذ مثالا، إذا كنت مدربًا لكرة السلة وتجاهلت هدفك في الفوز بالبطولة وركزت فقط على مستوى أداء فريقك في التدريب كل يوم، فهل ستحصل على نتائج؟
في ظني، نعم!
إن الهدف النهائي من أي رياضة هو الحصول على أفضل نتيجة، ولكن من غير المعقول أن نحدق في لوحة النتائج طوال المباراة. إن الطريقة الوحيدة للفوز هي تحسين الأداء يوميا، وقد قال بيل والش -الفائز ببطولة السوبر بول لثلاث مرات: "ستتحقق الأهداف من تلقاء نفسها"، وينطبق الشيء ذاته على مجالات الحياة الأخرى. إذا كنت تريد أن تحصل على نتائج أفضل، فعليك ألا تحدد أهدافًا، وإنما ركز على النظام الذي تتبعه بدلًا من ذلك.
ما الذي أعنيه بهذا؟ هل الأهداف لا قيمة لها أبدًا؟ لا أقصد ذلك. تفيدك الأهداف في تحديد وجهتك، ولكن النظام هو الأهم للتقدم. ستواجه بعض المشكلات عندما تقضي وقتًا طويلًا في التركيز على أهدافك عوضًا عن التخطيط لأنظمتك.
المشكلة الأولى: الفائز والخاسر يضعان نفس الأهداف.
ما يعيب نظام تحديد الأهداف هو انحيازه لفكرة النجاة، فنحن نركز على الأشخاص الذين يحققون الفوز –أي الناجح- ونزعم أن أهدافهم الطموحة هي التي قادتهم إلى النجاح، ونتجاهل كل الأشخاص الذين سعوا لذات الغاية ولكنهم لم ينجحوا.
يود كل لاعب أولمبي الفوز بميدالية ذهبية، وكل مرشح الحصول على الوظيفة. وإذا كان الأشخاص الناجحين والخاسرين يتشاركون الأهداف نفسها، فلا يمكن أن يكون الهدف هو المعيار الذي يميز الفائزين عن الخاسرين، فمثلاً لم يتصدر المتسابقون البريطانيون في سباق فرنسا للدراجات الهوائية مع أنهم كانوا يهدفون إلى الفوز كل عام مثل أي فريق محترف آخر، كان الهدف أمام أعينهم دائمًا، ولكنهم لم يحققوا نتيجة مختلفة إلا عندما بدأوا في تطبيق نظام يحتوي على تحسينات طفيفة ومستمرة.
المشكلة الثانية: تحقيق الأهداف ما هو إلا تغيير مؤقت.
تخيل أن غرفتك فوضوية وأنك وضعت هدفًا لتنظيفها، عندما تستحث همتك لتنظيفها، فستكون النتيجة هي غرفة نظيفة في الوقت الراهن. ولكن إذا واصلت عاداتك المهملة التي سببت الفوضى أصلاً، فستجد نفسك تنظر إلى كومة جديدة من الفوضى محتاجًا لدفعة محفزة أخرى لترتيبها، وستطارد نفس النتيجة لأنك لم تغير أبدًا النظام المسبب لذلك فقد عالجت الآثار الجانبية دون معالجة السبب.
إن تحقيق هدف ما يغير حياتك في الوقت الراهن فقط لأنك عندما تحل مشكلاتك مركزًا على النتائج يكون الحل مؤقتًا، ولكن لكي تتحسن للأبد، فأنت تحتاج لحل مشكلاتك بتغيير الأنظمة التي تتبعها، أي أصلح المدخلات، وستصلح المخرجات تباعًا.
المشكلة الثالثة: الأهداف تقيد سعادتك.
إن المعنى الضمني في أي هدف هو: "سأكون سعيدًا حينما أحقق هدفي"، والمشكلة في التفكير بهذه الطريقة تؤخر الشعور بالسعادة حتى نصل إلى المرحلة التالية. وقد وقعت في هذا الفخ مرات كثيرة لا تحصى، فكنت لسنين أرى السعادة حدث مستقبلي أستمتع به، ووعدت نفسي بالراحة لحظة اكتسابي عشرين رطلًا من العضلات أو بعد نشر عملي في صحيفة نيويورك تايمز.
كما أن الأهداف تخلق الصراع المسمى "إما- أو"، فإما أن تحقق هدفك وتصبح ناجحًا أو تفشل وتشعر بخيبة أمل، فأنت تغلق على عقلك في مساحة صغيرة من السعادة، وهو أمر خاطئ. فمن غير المُرَجَّح أن يتطابق مسارك الفعلي مع المسار الذي تخيلته عندما بدأت، ومن غير المنطقي أن تقيد راحتك على أساس اختيار واحد فقط في حين أنك تملك فسحة من الخيارات لتنجح.
إن أسلوب التفكير الذي يركز على النظام هو الغاية المطلوبة، فعندما تحب سير العملية بدلاً من النتيجة، فلن يتحتم عليك الانتظار لتكون سعيدًا، وستشعر بالرضا في أي وقت تعمل فيه وفقًا لنظامك. ويمكن للنظام أن يكون ناجحًا بأشكال مختلفة، وليس فقط في الهيئة التي تخيلتها في أول مرة.
المشكلة الرابعة: تتعارض الأهداف مع التقدم طويل الأمد.
في النهاية، يمكن لطريقة التفكير التي تركز على الأهداف أن تخلق ما يعرف بتأثير "إعادة تدوير الوزن". يتدرب كثير من العدائين بجد لأشهر، ولكن بمجرد عبورهم خط النهاية يتوقفون عن التدريب، فلم يعد لديهم سباق يحفزهم.
عندما تصب كل عملك الجاد على هدف محدد، ما الذي سيدفعك للأمام بعد أن تحققه؟ ولهذا السبب يرجع كثير من الناس إلى عاداتهم القديمة بعد تحقيق هدف ما.
إن الغرض من تحديد الأهداف هو الفوز، والغرض من بناء الأنظمة هو الاستمرار، والتفكير الحق لمدى أبعد يعني التخفيف من التكفير في الأهداف، فالأمر لا يتعلق بنتيجة واحدة، بل هو دورة مستمرة من التقدم والتحسن، وفي النهاية التزامك بالعملية هو الذي يحدد تقدمك.
أعطِ الأولوية للأنظمة.
لا يعني هذا أن وضع الأهداف عملية عديمة النفع، فقد تبينت أن الأهداف نافعة للتخطيط وأن الأنظمة هي التي تحرز التقدم.
يمكن للأهداف أن تحدد وجهتك بل وتدفعك للأمام على المدى القصير، ولكن النظام الجيد هو ما ينفع في النهاية، فوجوده هام والالتزام به يأتي بالمنفعة.