الجمعة , 20 سبتمبر 2024 - 16 ربيع الأول 1446 هـ 4:19 مساءً
يفحص العلماء غالبًا الفقاعات المحبوسة داخل الجليد أو يقيسون الحلقات الموجودة في جذوع الأشجار المعمرة لرسم صورة توضح المناخات السابقة، وقد نشر باحثون دراسة حديثة في مجلة "Science Advances" في جامعة نانجينغ الصينية تشير إلى أدلة على تغيرات حالة المناخ السابقة في المباني.
قارن الباحثون معلومات حول التقلبات الجوية ما بين العامين ٧٥٠ إلى ١٧٥٠ ميلادي مع أمثلة من الأسقف المبنية خلال زمن الألفية، فوجدوا أنه خلال مواسم تساقط الثلج الكثيف كانت الأسقف شديدة الانحدار في حين أنها في المواسم الدافئة تكون أقل انحدارًا.
شملت الدراسة تقلبين كبيرين في المناخ العالمي: المواسم الدافئة في القرون الوسطى التي امتدت تقريبًا من القرن العاشر إلى الثالث عشر والعصر الجليدي الذي شهد أقصر صيف وشتاء قارس بين القرن الخامس عشر و التاسع عشر.
أربعة تصاميم لأسقف من مواسم مختلفة. لي وآخرون. (2021) / مجلة Science Advance
قد تحفز التقلبات الجوية الإبداع والابتكار أيضًا حيث لاحظ الباحثون أن شدة برودة الطقس في عام ١٧٧م وجاء هذا تزامنًا مع الطرق الجديدة التي بُنيت فيها الأسقف شديدة الانحدار والآمنة والفعالة.
إنه من المدهش التمعن في تفاصيل الأشياء كزوايا الأسقف المائلة وكيف تعكس لنا تغيرات الطقس على مدى عشرة قرون، ومع أنّ هذه الرواية محبوكة إلا أنه من منطلق دراستي لتاريخ العمارة لسنوات عديدة مازالت تساورني بعض الشكوك.
العمارة والمناخ
وضع الباحثون نقطتين رئيسيتين:
الأولى: أنّ الأسقف المبنية في العصور والأماكن التي يتساقط الثلج فيها بكثافة تكون أكثر انحدارًا.
الثانية: وجود علاقة وثيقة بين أنماط الطقس وزوايا الأسقف التي تدل على تأثر الهندسة بالتغيرات المناخية الطفيفة.
ومن السهل جدًا إثبات النقطة الأولى و ربما لا يختلف الأكاديميون عليها، فإذا انهار السقف تحت الثلج الكثيف سيقوم النجار بإعادة تصحيح زاوية السقف، وهذا بيّن في المباني الصينية التاريخية.
أما النقطة الثانية في ظني غير مثبتة أبدًا في هذه الدراسة، وربما يستحيل إثباتها، فقد درس باحثون ما يقارب مائتي مبنى صامد على مدى ألف عام وأثناء إجراء الدراسة لم يتبين لهم التساوي في المسافات بين هذه المباني، ولعلنا ننظر لهم على أنهم أطباء وليسوا مؤرخين فالعينة المدروسة هنا هي اختبار صحة المنهجية، لكن السبب وراء جعل الأسقف أقل انحدارًا في الأجواء الدافئة ما يزال مبهمًا.
يجب أن نشيد بالباحثين لمحاولتهم معالجة هذه المشكلة، وكما أشارت الدراسة أنه ربما فشل الصينيون في صيانة الأسقف شديدة الانحدار في مواسم يقل فيها تساقط الثلج بسبب التكاليف المادية، وحاجتهم لأشعة الشمس، والحماية من الأمطار، ومع ذلك لم يوضح الباحثون سبب فعالية الأسقف المستوية مع قلة تكلفتها.
إنّ بناء الأسقف ليس حدثًا جماعيًا كتناقص أعداد السكان و معدل وفيات الأطفال أو أسعار السوق إنما يعتمد ذلك على قرار واعٍ لشخص بعينه، كعميل أو مهندس أو حرفي لإثبات الصلة، وسيحتاج الباحثون إلى نظرية تبين مدى تفاعل المباني مع التغيرات الطفيفة في المناخ وزوايا الأسقف.
ربما تشير المبالغة في ربط المناخ بالهندسة المعمارية -وهذا غير صحيح- إلى أن مجتمعات ما قبل الحداثة تشكلت بسبب الانسجام بين الناس والطبيعة مع القدرة على الاستجابة للتغيرات الطفيفة التي حدثت في البيئة واختفت في فترات لاحقة.
تساقط الثلج الكثيف يحتاج أسقف ملائمة لا تنهار. لو يانغ/ شاترستوك.
وحسب معلوماتي فإن مثل هذه التناغم الدقيق بين المباني والمناخ لا يحدث في عصرنا هذا فقد قلت نسبة تساقط الثلوج في المملكة المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه من غير المقنع ربط هذا بانتشار الأسقف المسطحة الحديثة التي أصبحت مؤخرًا شائعة في روسيا المثلجة، كما أنّ اتخاذ قرار حتمي كالاختيار ما بين الأسقف المستوية بدلاً من المنحدرة أصبح تحديًا أمام تغيرات المناخ، فقد اجتاحت الأمطار عددًا كبيرًا من الأسقف المستوية في جلاسكو حيث أعيش.
ومع ذلك زودتنا هذه الدراسة بتذكير جيد حول كيفية تأثير التقلبات الجوية الطبيعية على العمارة عبر التاريخ وغيرت العديد من الأنماط والأذواق، فأغلب المباني التي نعيش ونعمل ونجتمع فيها صُممت دون اعتبارٍ للظواهر المناخية التي يحذر العلماء من وجودها في عصرنا هذا، وربما يتغير ذلك فقد يدرس المؤرخون يومًا ما الحقبة التي عشنا فيها ويلاحظون كيف استعادت العمارة التأثر بالحدود البيئية حيث استُبدلت التصاميم المقاومة للعواصف المتزايدة بالمباني غير الفعالة المسربة للماء.