الخميس , 05 ديسمبر 2024 - 4 جمادي ثاني 1446 هـ 5:57 صباحاً
ترجمة: نعمة آل سفران، نورة المطيري، نورة البصري، هاجر الشمري، العنود العتيبي.
نظن أن كثرة المديح قد تحوّل الأطفال إلى وحوش، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة.
اصطحبتُ ابني قبل ستة أشهر لزيارة والديّ في ولاية كارولينا الجنوبية، وبعدما انتهيتُ من غسل بعض الأطباق في إحدى الليالي صاح والدي متندّرًا: أحسنتِ! لأنّني قد قلتُ سابقًا عندما أكل ابني القليل من العنب البري، أحسنتَ! وكذلك عندما انحنى لخلع جوربه، وقد كان يبلغ من العمر حينها ثمانية عشر شهرًا.
أعلم أنه جيل الألفية أو مواليد سنة 1980-1990م قد حوّلوا إلى كُسالى ونرجسيين، ولُقبوا ب”مدمني المدح“ بسبب مديح آبائهم المتواصل، حتى إنهم كانوا يصفونهم بأمثال بيكاسو أو آينشتاين، ما المزعج في ذلك؟ أمتدح ابني كثيرًا، ولا أخجل من ذلك. أشعر بالفخر عندما أتحدث عن مهارته في قرع الطبول الصغيرة أو الخربشة على الجدران بأقلامه. أحب التعبير عن سعادتي العميقة وعاطفتي الجياشة تجاه طفلي وهو يخطو خطواته الصغيرة الأولى، ولن توقفني نظرات والداي المنزعجين من ذلك أبدًا.
دعونا نسأل أنفسنا: ماذا نعرف عن المديح؟ تأتي بعض الاكتشافات والنصائح من موقع ”علم التربية“ للباحثة المتخصصة في علم الأنثروبولوجيا الحيوي جوين ديوار (Gwen Dewar) وهو موقع إلكتروني يستهدف أمثالي، عندما نُثني على قدرات الأطفال بدلًا من جهدهم، فإنهم سينظرون للموهبة والذكاء كمعطيات لا مهارات يجب تنميتها وتعلمها، وقد يرسل المدح غير الصادق رسالة مفادها أن الآباء لا يفهمون طفلهم، إن المديح الذي يعطي حكمًا عامًا كقولنا للطفل "أحسنت!" أقل فاعلية من المديح المقصود الذي يشير إلى ما أتقنه الطفل.
تقول أخصائية علم النفس جينفير هينرولنج Jennifer Henderlong من كلية ريد ومارك ليبر ستانفورد إن المبالغة في مدح الأطفال مثل قولنا: (أنت رائع!) قد يُشعرهم بأن معايير تقييمك عالية جدًّا، مما قد يخيفهم لاعتقادهم أنها أعلى من إمكانياتهم، إن مدح الأطفال على الأمور السهلة قد يجعل الأطفال يظنون أنك غبي (ألا تعرف كم هذا سهلاً؟) أو أنك تظن أنهم أغبياء، وإليك هذه النتائج: إن المبالغة في مدحهم على ما يستمتعون بفعله قد تؤدي إلى نتائج عكسية، ومنها تثبيط عزيمتهم بدلًا من حثّهم وتشجيعهم على الاستمرار.
وقد كنت أخطئ في امتداح أطفالي، لذا كنتُ ممن يشملهم نقد الأخصائي النفسي جيم تايلور من جامعة سان فراسيسكو: ”إن المديح بمجرد قولنا "أحسنت"؛ مديح باهت، مديح ضارّ، مديح لا فائدة منه“.
إن كنت ستبخل بمديحك إياهم فقل على الأقل ”إنه مجهود جيّد!“ فمثل هذا المديح يركّز على ما بذلوه لأداء عمل جيّد، فالأطفال لا يحتاجون أن يقال لهم (أحسنت)، لأنه من البديهي أن يُحسِن الأطفال صنعًا.
لكن هل من ينتقد المديح محقًا؟ المشكلة الأولى في هذه الانتقادات القاسية هو أن تأثير المديح على الأطفال الصغار والكبار متفاوت، فمثلًا وجدت دراسة أُجراها بول هاستينغز الذي يعمل حاليًا في جامعة كاليفورنيا Paul Hasting عام 2007 أن الآباء الذين يمتدحون أخلاق أطفالهم في مرحلة ما قبل المدرسة يتمتع أطفالهم بمهارات اجتماعية أفضل، مما يتعارض مع اعتقاد تايلور الذي يقول بأن الأطفال في سن ما قبل المدرسة لا يحتاجون أبدًا إلى المديح، وفي دراسة أخرى نُشرت في عام 1997 بقيادة سو كيلي “Sue Kelley” من كلية ليكينج في بنسلفانيا أن الأطفال في سن الثانية الذين شجّعتهم أمهاتهم على الاستكشاف بمفردهم في تجربة عملية؛ كانوا أكثر استقلالية بعام واحد ممن لم تمدحهم أمهاتهم في الدراسة الأولى.
أمّا بالنسبة للمبالغة المفرطة في المدح فقد اكتشفت إيلين وينر "Ellen Winner" وآخرون من كلية بوسطن أن الأطفال الأصغر سنًّا (تحت سن السابعة) ليس لهم الخبرة الكافية للشك في صدق والديهم، مما يعني أنهم قد لا يواجهوا مشكلة "المعايير العالية جدًّا" التي قد يواجهها الأطفال الأكبر سنًّا كما أسلفنا.
أما المشكلة الثانية في القول بتجنُّب المديح فأدق وأصعب، فقد أظهرت دراسة هذا العام من جامعة أوتريخت في هولندا أجراها طالب الدكتوراة في علم النفس التربوي ادي بروميلمان Eddie Brummelman أن المبالغة في المدح كقول (هذا فائق الجمال!! أو هذا لطيف!) قد تضر الأطفال الذين لا يثقون بأنفسهم، في حين تفيد الأطفال الذين يتمتعون بتقدير عالٍ لذواتهم.
أكَّدت الدراسة صحة فرضية الباحثين بأن الآباء يبالغون في مدح الأطفال الذين يعانون من تدنّي تقدير الذات أكثر من الذين يتمتعون بتقدير عالٍ للذات، ولهؤلاء الآباء أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا وجميعهم يتمتعون بتقدير عالٍ للذات، وفي زيارة لأحد المتاحف الفنية طلَب من هؤلاء الأطفال أن يرسموا بعض الصور على أن ينتقدها "رسام محترف"، وفي الخطوة الأخير من الدراسة سُئل الأطفال عما إذا كانوا يريدون تجربة تمرين رسم ثانٍ أصعب أم تمرين سهل، وقد ظن جميع الأطفال الذين تلقوا مدحًا مبالغًا فيه أن هذا المدح صادق، بغض النظر عن مستوى تقديرهم لذواتهم، لكن وكما كان متوقعًا كان الأطفال الذين يعانون من تدني تقدير الذات ممن تلقوا مدحًا مبالغًا فيه أقل رغبة في قبول التحدي من نظرائهم الذين تلقوا مدحًا غير مبالغ فيه، أما الأطفال الذين يتمتعون بتقدير كبير لذواتهم ممن تلقوا مدحًا مبالغًا فيه أكثر قبولًا للتحدّي من نظرائهم الذين تلقوا مدحًا غير مبالغ فيه.
ولذلك فإنه من المنطقي أن يعتد من يتمتعون بثقة عالية في النفس بأنفسهم وأن يبحثوا عن مواقف تُبرز قدراتهم، في حين يخاف من يعانون من نقص الثقة في النفس من الفشل، ويتجنّبون المواقف التي قد تكشف عن نقاط ضعفهم.
واستنتج الباحثون ”أن المبالغة في المدح قد تجعل الأطفال الذين يعانون من تدني تقدير الذات يتجنّبون التجارب التعليمية المهمة، مما قد يؤدّي في النهاية إلى تدني مستوى تعلمهم وأدائهم“ وهنا يكمن التعقيد، وهو أن المديح غير المبالغ فيه قد يُخفّف من مخاوف الأطفال الذين يعانون من تدني تقدير الذات من الفشل، مما قد يشجّع رغبتهم في خوض التحديات، ولكنه قد يفشل في توفير دوافع كافية للسعي وراء تحديات للأطفال المعتدّين بأنفسهم.
ولكنَّ السؤال هنا هل يعرف الآباء ما إذا كان أطفالهم يتمتعون بتقدير عالٍ للذات أو العكس؟ وإذا لم يكونوا كذلك، فهل يجب أن يُقيّموا ووفقًا لهذا التقيم يكون المديح؟ لا أعرف بالطبع كيف ينظر طفلي البالغ من العمر عامين فقط لنفسه، ولهذا قال الباحثون: ”مع أن الأطفال الصغار يعرفون مبدئيًا معنى "الجيد" أو "السيئ"، إلا أنهم في آخر مرحلة الطفولة يشكّلون ثقتهم بأنفسهم ويعبرون عنها"، فإذا كان ابني قادرًا على فهم "الجيد" أو "السيئ"' فأنا سعيدة لأنني كنت أُثْنِي عليه كثيرًا... ربما أعزز الآن احترامه لذاته والذي ستقيسه مثل هذه الاختبارات لاحقًا.
طرحتُ هذه الاحتمالية على برميلمان “Brummelman” فقال: "إن هذه التجربة لم تُطبّق من قبل" لكنه يتفق معها، ويتوقع بأن "المبالغة في المديح لا تضر بل قد تفيد في مرحلة الطفولة المبكرة، لأن الأطفال الصغار عادةً ما تكون توقعاتهم عن أدائهم في المستقبل إيجابية وغير واقعية، وعندما يتلقَّوْن مدحًا مبالغًا فيه فقد يشعرون بقدرتهم على تلبية المعايير العالية الموضوعة لهم، وبالتالي يسعون إلى خوض المزيد من التحديات".
لذلك قد تكون توقعات ابني عن أدائه في المستقبل إيجابية؛ وهذا جيد، وآمل أن يستمر على هذا الحال، أما أنا فقد سلكت طريقًا آخر فحين التحقت بالجامعة كانت خديّ تحمر حينما أرفع يدي للتحدّث في الفصل، ولم أهتمّ لهذا الأمر كثيرًا، واستمر خدي في الاحمرار طوال العشرينيات من عمري عندما يتحدث معي المدير مباشرة، وتمنيت لو كنت أكثر اعتدادًا بنفسي، وقد عرفت أشخاصًا فاقت ثقتُهم معرفتَهم وذكاءَهم، ولا أظن أنها تسبّبت لهم بأيّ أذى في حياتهم، وأظهرت دراسة أجرتها جيسيكا كينيدي "Jessica Kennedy" العام الماضي في مدرسة وارتون بجامعة بنسلفانيا أن من يتمتعون بالثقة العالية حتى عندما لا يتقنون المهام ينظر إليهم الآخرون على أنهم يتمتعون بمهارة عالية ويَحْظَون إجمالاً بمكانة اجتماعية مرموقة، ويشتكي البعض من أن كثير من الناس مفرطي الثقة بأنفسهم هذه الأيام، لكن هذا الأمر يصبّ في مصلحتهم.
ثم إنني لم أقتنع بأن ما فعلاه والداي أو ما لم يفعلاه هو سبب عدم تقديري لذاتي، فلماذا أهتم كثيرًا بتربية ابني؟ في حين أن البالغين وكذلك الأطفال والأقران الآخرين يربّونه، كما أنه هو يربّي نفسه أيضًا، وكل هذا يحدث في عالم متغيّر، وهنا تظهر المشكلة الثالثة في مقولة من يؤمن بعدم المديح، إن القلق حيال سلوك الفرد مثل الأب يعكس سوء الفهم حول التأثيرات العديدة على نمو الطفل، فالأبوة ديناميكية ذات اتجاهين؛ أحدهما يتأثر بالبيئة وجينات الوالدين والطفل، وقد نشرت في عام 2014 مجلة Psychological Bulletinدراسة أجرتها اشليا خلار "Ashlea Klahr" وزملاؤها في جامعة ميتشيقن، والتي وجدت أن التأثيرات الجينية مسؤولة عن 23 إلى 40% من التباين بين ثلاثة مقاييس أساسية للسلوك الأبوي: وهي المودة، والسيطرة، والسلبية، وكل منها مرتبط ببعض النتائج المستقبلية كالسلوك المعادي للمجتمع ومنه الانطوائية والقلق وتعاطي المخدرات، فالمودة مؤشر كبير على النتائج الجيدة (انخفاض نسبة المشاكل السلوكية، القلق أو الاكتئاب، وزيادة الاستعداد والنجاح الأكاديمي)، ويشمل هذا التعبير اللفظي الحنان والعطف، وهذا من أقوى الأدلة على أن الجينات تلعب دورًا كبيرًا في سلوك الأبوة والطفل.
لكن اللافت للنظر هو الدليل الذي عُثر عليه لإثبات تأثير سمات الطفل على أسلوب الوالدين، وبعبارة أخرى، بعيدًا عن تأثير الجينات، يحدد الطفل كيف يتصرّف الوالد، وهذا رد معقد يتشابك فيه علم الأحياء والسلوك، ويتفاوت بتفاوت الآباء والأطفال.
إنها حجة للنهج الفردي، وقد قال لي خلار "Klahr": "عليك أن تفكّري في سماتك وما يزعجك، ثم تطوّري أسلوبًا واستراتيجية تناسبك أنت وطفلك، فإذا حاولتِ فعل شيء لا يناسبك، فسيصعب عليك الأمر ويرهقك، فنحن نعرف أن بعض الأشياء جيدة للأطفال وأخرى ليست جيدة، وهناك مساحة كبيرة في المنتصف تتسع للاختلافات الفردية".
تقترح خلار إذا كنت ترى الثناء محفزًا للتغيير الصحي أن تتبّع أداءك، فتستنبط السلوكيات الإيجابية التي يمارسها طفلك وتدونها، وتحلل ما ينجح من الطرق وما لا ينجح، ثم نصحت بـ "إجراء دراسة مصغرة على عائلتك".
وهو بالضبط ما قاله أستاذ علم الاجتماع بجامعة نيويورك دالتون كونلي Dalton Conley في مذكراته في كتابه المضحك Parentology علم الأبوة (2014)، فبعد أن أمضى سنوات في رشوة ابنه وابنته بالدببة المطاطية وملء أوقاتهم بألعاب الفيديو والمال لتشجيعهم على حل مسائل حسابية إضافية، انخرطت ابنته في القراءة والأدب أكثر فأكثر، وقلَّ اهتمامها بالرياضيات، في حين توقف ابنه عن قراءة القصص الخيالية والبحث في مسائل الكسور، وهكذا فقد عززت تعلم أحد المجالات الأكاديمية وهو (الرياضيات) بمكافآت خارجية وتركت (القراءة) بدون أي تشجيع، ولكن في النهاية لم يؤثر نظام المكافئات كثيرًا على شغفهم، مما يعني أن تأثير مديح الطفل يختلف من طفل لآخر، وفقًا لاهتماماتهم وشخصياتهم واهتمامات الوالدين وشخصياتهم وعوامل أخرى.
يقول خلار: "لا نريد أبدًا أن نقول: إن المديح ضار، بل نريد من الآباء أن يمدحوا أبناءهم، لأننا نعلم أن التعزيز الإيجابي، وملاحظة السلوك الجيد وامتداحه، يؤدي إلى نتائج مثالية، وأنّ التربية القاسية تؤدي إلى زيادة نسبة المشكلات السلوكية والخلافات بين الوالدين والطفل والاكتئاب".
لذا فإن فكرة المديح أو عدمه يساعد طفلك على النجاح هي فكرة مبالَغ فيها، أما عالم النفس كينيث باريش “Kenneth Barish” في جامعة كورنيل فيصرّ على أن المشكلة الحقيقية هي النقد، ويقول: "لقد قابلت العديد من الأطفال المحبَطين والغاضبين والتعساء، لقد قابلتُ أطفالًا محبطين لا يقدرون على تحمُّل التعب عندما يتعرّضون لشيء من الإحباط أو خيبة الأمل، وقابلت آخرين نمّوا شعروهم بالاستحقاق، والمشكلة هنا ليست في المديح بل النقد، فقد تعرّض معظم هؤلاء الأطفال لانتقادات مبالَغ فيها، ولم يتلق ثناءً مفرطًا إلاّ القلة منهم.".
ازدادت ردة الفعل العنيفة ضد تقدير الذات المفرط لأنها أظهرت أنه يأتي بنتائجَ عكسية؛ فقد نشأ لدينا أطفالٌ مدلّلون اعتادوا التصفيق لهم دائمًا وهم لا يعرفون كيف يصححون سلوكهم بأنفسهم، ولا يعرفون كيف يتعاملون مع الفشل أو الرفض، ويقول الباحثون: إن هؤلاء الأطفال الآن يفتقرون إلى الشجاعة والعزيمة التي هي المفتاح الحقيقي للنجاح. ولكن كيف لي أن أربّي ابني بطريقةٍ تضمن له النجاح وأنا لا أعرف متطلبات النجاح في عالمنا المتغير؟
نشأتُ وأنا أعزف على الكمان الكلاسيكي، وأجتهد بالدراسة، والتحقتُ بجامعة كبيرة، وأكملتُ الدراسات العليا، وكان ينتابني القلق من المستقبل كلما فكرتُ فيه، أما زوجي فلم يكن يبالي بالدراسة، وكان يعزف الموسيقى ويلحنها دون أن يكترث بجهله النغمات، والتحق بمدرسة الفنون عوضًا عن الجامعة، ولطالما كان لديه إحساس بأنه رجل محظوظ، وأن مستقبله سيكون مشرقًا، كلانا مرَّ بخيبات أمل ولحظات انتصار، وبقدر ما أستطيع أن أستحضر من العوامل التي قد يتّخذها المرء في قياس النجاح، سأقول: إن معاييرنا لقياس النجاح الدنيوي كانت نفسها تقريبًا، والسؤال هنا: مَن منّا يجب أن يكون قدوة لابني؟ حقيقةً إنه رجل قد يكون لها بعض التأثير، إذ يظن بعض الرجال عمومًا بأن قدراتهم أفضل من قدرات النساء حتى في المجالات التي تكون فيها قدراتهم متماثلة تقريبًا، مع أن الفتيات اجتماعيات أكثر من الرجال، ويعاونهن العالم بأسره، قد يحتاج ابني إلى المزيد من المديح لاكتساب الأخلاق الحميدة، ولكنه في نهاية المطاف أكثر ثقة بنفسه من زميلاته؛ سواءً أثنيت عليه أم لا.
وبعد أن سلطنا الضوء على هذه النقاط، فقد عقدت العزم من الآن فصاعدًا على أن يكون مديحي محدَّدًا، وأن أشير إلى جهود ابني في الرسم على الجدران، بدلاً من ذوقه الطبيعي في اختيار ألوان أقلام التلوين الممتعة، وسأتركه يشاهد الرسوم المتحركة، وأضع كعكة في يده الممدودة، وأراقب ابتسامته وهو ينظر إلى القرع المنحوت، وأعجب بتركيزه وهو يلوّن وأُثْنِي عليه عندما ينتهي.
قال خلار: "إن المبالغة في المدح ليست مما يجب على الوالدين القلق حياله، والخطأ الوحيد في مديح طفلك هو أن تقول له "أحسنت!" على عملٍ لا ترغب أن يفعله".
ألا يكبر معظم الأطفال طبيعيًا؟ ألن يدرك ابني يومًا ما -بغضّ النظر عمّا أفعله- أن الجدران ليست دفترًا للتلوين؟ اسمحوا لي أن أستمتع بالامتنان لطفلي الصغير الذي وبعد كل شيء ربما يموت في أي لحظة (الوعي الدائم بهذه الحقيقة هو غريزة أمومية)، إنني أرغب على الأقل في احتوائه قبل أن يبدأ العالم القاسي في إهلاكه.