تاريخ النشر : 2018-02-26
تاريخ الترجمة العربية
تاريخ الترجمة العربية

 

 لطالما شكّلت الترجمة عنصرًا أساسيًا في تحقيق التواصل وتوضيح المعاني بين الشعوب في الأمور التجارية اليومية والنشاطات الحضارية والدينية. إن امتداد جذور الترجمة العربية على مدى التاريخ البشري العريق، يعد متأصلًا في نشر المعرفة والعلم بين الشعوب على مر الزمان.

يعود تاريخ الترجمة العربية إلى القرن الثاني حينما ترجم العرب التاريخ الفارسي إلى اللغة العربية، حيث خضعت الترجمة لمراحل عديدة تغيرت خلالها منذ ذلك الحين، ابتداءً من مجرد فهم المقصود بين التجار العرب والدول المجاورة، مرورًا بعصر الازدهار والتنوير في العصر الإسلامي الذهبي، حتى عصر التقنية والعولمة الحديث.

لقد تزايد اهتمام العرب بالترجمة مع ظهور الإسلام، حيث شجّع الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وتابعيه على تعلم اللغات الأجنبية وترجمة معاني آيات القرآن الكريم ومفاهيم الدين الإسلامي لتعليمها للشعوب الأخر، ثم وصلت ذروتها خلال العصر العباسي أثناء إقامة مدينة بغداد، وبالتحديد في عصر الخليفة المأمون الذي أنشأ "بيت الحكمة"، الذي يمثّل أهم مؤسسة مختصة بالترجمة في تلك الحقبة. 

وقد أصبحت العواصم الإسلامية، كبغداد والقاهرة وقرطبة، تمثّل أهم المراكز الثقافية للعلوم والفلسفة والطب والتجارة والتعليم في ذلك الوقت، حيث يقصدها العلماء من أرجاء العالم للتعلّم ونشر المعلومات من اللغة العربية وإليها، فقد كانوا شغوفين بترجمة العلوم من الحضارات القديمة إلى العربية والفارسية، ومن ثم تتم ترجمتها بعد أن يثريها العرب إلى لغات أجنبية، كالتركية والعبرية واللاتينية، وقد برزت شخصيات ذلك الوقت في هذا المجال منها: ابن المقفّع، الذي ترجم روائع المخطوطات من اللغة الفارسية والهندية، مثل "كليلة ودمنة".

لقد حظيت ممارسات الترجمة على تقدير كبير في ذلك الوقت، إلى جانب المترجمين أنفسهم أيضًا، لدرجة أن الخليفة كان يكافئ من تميّز من المترجمين بمقدار ما يترجمونه ذهبًا، وقد تميزت الترجمة بالدقة والصحة والمصداقية، فلم يكن المترجم يدّخر جهدًا في تحرّي المراجع والتحقق من ترجمته والحفاظ على جودتها، فقد كانوا حينها يرتحلون إلى بلدان بعيدة مُفنين سنوات من عمرِهم في البحث والتحقّق، وربما أصدروا عدة ترجمات في سبيل الوصول إلى الدقة المطلوبة.

لم يقتصر دور الترجمة العربية على نقل المعلومات فقط، بل أيضًا للحفاظ على العديد من القضايا العربية بوصفها جزءًا من العالم، فخلال القرن الحادي عشر حتى الثالث عشر، نقلت أوروبا المعرفة إبّان عصورها الوسطى من الحضارة العربية، والتي بلغت ذروتها في ذلك العصر. إن أهم حدث خلال تلك الفترة هو إعادة اكتشاف وترجمة النصوص التاريخية العريقة من اللغة العربية، كأعمال أرسطو تحديدًا، حيث حافظت هذه الأعمال المترجمة على تلك النصوص، وساعدت على انتشار نواحي التقدم العربية في العالم الإسلامي؛ كعلم الفلك والجبر والكيمياء والجيولوجيا في القرن العاشر.