الميثولوجيا - الأساطير اليونانية
تاريخ النشر : الإثنين , 26 فبراير 2018
ترجمة : منيرة العبيد
الكاتب : The Columbia Encyclopedia, 6th ed
مدة القراءة : 5 دقائق
طباعة
تكبير الخط
تصغير الخط
الأساطير أو الميثولوجيا [وتعني باليونانية = سرد الحكايات]، وهي دراسة الخرافات وتكوينها الذي أصبحت عليه بعد تناقلها منذ القِدم. يدرُسها طلبة علم الإنسان والدين والفلكلور (التراث الشعبي) بطرقٍ مختلفة، مع التفرقة بينها وبين أنواع قصص الأدب المشهورة والمتعددة، والتي عادة ما تُروى مسموعة. تنقسم الأساطير وفقًا لغرضها الأساسي، منها الخرافات التي تثقّف النّاس، ومنها الحكايات السببية المنطوية على الشرح والتفسير، بالإضافة إلى القصص الشعبية التي تهدف للترفيه.
يمكن أن تؤدي الخرافات غرض إحدى هذه الأقسام أو جميعها، بالإضافة لدورها الهام في توضيح كيفية ظهور الثقافات وتطورها على مرّ الزمان. وبالحديث في هذا الصدد، فإن الخرافات تتعارض مع التاريخ مما يؤثر على الأحداث المستجدة والموثّقة، وتتعارض أيضًا مع الملاحم الشعرية والأساطير المرويّة والتي قد تؤثر بدورها على شخصية تاريخية أو مكانٍ وحدثٍ من الماضي البعيد؛ وتمثل قصة السيدة جوديفا وامتطائها للحصان في شوارع كوفنتري عارية مثالًا على ذلك. (تدعى أساطير الملوك النرويجيين والآيسلنديين المسجلة من القرن الثاني عشر حتى الخامس عشر بالملاحِم). أما بالنسبة للخرافات فهي قصص يعود تاريخها إلى الماضي السرمديّ البعيد والخيالي، وتحكي عن أصل البشرية والحيوانات وخوارق الطبيعة.
بالرغم من أن الأساطير اليونانية والرومانية واليهودية هي الأكثر شهرة، إلا أن هناك أساطير أخرى لا تقل أهميتها، كتلك الأسكندنافية (النوردية)، والتي تتسم بأنها لا تميل كثيرًا لإضفاء المميزات الإنسانية للمخلوقات الأخرى والجمادات (التجسيم) كالأساطير اليونانية. أما بالنسبة لتلك الهندية والهندوسية العريقة، فهي أكثر تجريدًا، وتتحدث عن الحياة الأخروية، بينما المصرية تختص بالخرافات المتعلقة بالشعائر الدينية، وتكون العلاقة المشتركة بين أساطير بلاد الرافدين (ما بين النهرين) مع تلك اليونانية هي الحياة والموت.
ومنذ عصر أسخيلوس، كانت الخرافات تضاف على الأدب لإثراء محتواه، وقد استعان بها بعض عظماء الشعراء الإنجليز، وابتدع بعض كبار الشخصيات الأدبية، أبرزهم ويليام بليك وجيمس جويس وفرانز كافكا وويليام بتلر ييتس وتوماس ستيرنز إليوت وأيضًا والاس ستيفنز خرافات شخصية مستعينين بتلك العريقة ومستلهمينها من الرموز الحديثة.
أفكارٌ متجددة:
لقد وضحت دراسة الخرافات المتداوَلة بين السكان المحليين لشمال أمريكا وجنوبها، والسكان الأستراليين الأصليين، وشعب جنوب أفريقيا وغيرهم الانتشار الواسع للأساطير والكثير من المحتويات المشابهة، وعلى الرغم من عدم وجود خرافات موحّدة عالميًا، إلا أن الكثير من الأفكار والمواضيع المشابهة استمرّت في الظهور والتجدد ضمن محتوى خرافات مختلف الثقافات والعصور، فتناقش بعض منها خلق الكون، وتتراوح مواضيعها بين تجسيد إله للأرض من العدم، وصولًا إلى خلق حيوان معين بحفنة من الطين، وبعض الخرافات المتعلقة بالهلاك والخَلق المستمر والتي تتوافق مع تلك التي تتحدث عن الموت الموسمي والبعث. ويعد الاهتمام بالخصوبة المتجددة في اليونان موسميًا، بينما أولت ثقافات أخرى (كبلاد الرافدين) اهتمامًا لموت النباتات على مدىً طويل خلال مواسم الجفاف المديدة، أما بالنسبة لموضوع العصر الذهبي الذي تعد فيه البشرية قد انحلّت فيه عن مثاليتها السابقة، فهو فكرة شائعة بين مختلف الخرافات (كالعصر الذهبي للشاعر هسيود وجنة عدن في الفكر اليهودي والمسيحي). وتعد قصة الطوفان ذات انتشار واسع، كما تمثل محتوى لمجموعة من الخرافات المتعلقة بهلاك العالم أو مجتمع معين وإعادة تكوينهم، وتناقش الخرافات أصل النار وفكرة استعادتها ممن سرقها أو أبى مشاركتها؛ وفكرة الألفية القادمة أيضًا، بالإضافة إلى اهتمامها الشائع بعالم الأموات والصلة بينهم وبين الأحياء.
تفاسير الخرافات قديمًا:
توجد نظريات متعددة عن أسباب تشابه الخرافات ببعضها، وقد حاول الكثيرون تمثيل سخافة هذه الخرافات بتأويل معانيها بعيدًا عن كل ما هو قدسيّ، واعتبروها مجرد روايات ركيكة عن التاريخ. بينما فسرها الأغريقيون القدماء بكونها استعارات مجازية باحثين في طيّاتها عن الوقائع في قالب شعري مؤثر. ويعد ناقد ردجيو الأدبي (Theagenes of Rhegium) من أقدم المناصرين لهذه التفاسير (في القرن السادس قبل الميلاد)، وقد استحدث الرواقيون معظمها (من يتبعون مذهب يؤمن بوحدة الوجود) والذين بدورهم ساووا الآلهة الإغريقية بالعناصر الطبيعية وأنزلوها منزلة المبادئ الأخلاقية، فاعتبر يوهيميروس أن الآلهة ماهي إلا شخصيات تاريخية قد ألهها البشر مع مرور الوقت، بينما توجد تفاسير أخرى تدلي بكون الخرافات قد نتجت عن التفرقة غير اللائقة بين الإنسان وكل ما هو غير بشرّي; فقد كان يُعتقد بأن الحيوانات والصخور والنجوم جميعها تعقل وتعي كالإنسان تمامًا، وأن الأموات يسكنون عالم الأحياء بهيئة روحية.
فيما بعد، ناقشت نظرية مجازية مستحدثة أن الخرافات قد ابتكرها حكماء في زمنٍ ما لتوضيح الحقائق، ثم مع مرور الوقت، أصبح الناس يفهمونها بمعناها الحرفي البحت. فعلى سبيل المثال، أصبح كرونوس الذي التهم أطفاله يمثل كلمة يونانية تعني الوقت، ويقال أنها ترمز لكل شيء قد يدمر ما يجلبه إلى الحياة. وقد قام ماكس مولر بدراسات فلسفية عن الخرافات قد قوّمت ذلك النهج المتبع سابقًا، فقد شهد ماكس تطور هذه الخرافات بعيدًا عن تحريف اللغة، وقد أشار إلى أن نسيان الناس وتشويههم لمعاني الكلمات يعد من عيوب الخرافات، فعبارة (الفجر يعقبه شروق الشمس) يمكن أن تفسّر بالإغريقية على أنها تعني ملاحقة أبولو لدافني، عذراء الفجر. وهناك نظرية أخرى مشابهة وهي أن الخرافات والإنجيل أيضًا قد تم تحريفهم على مر التاريخ، ولذلك نجد أن دوكاليون هو اسم آخر لنوح. وتفترض نظرية الانتشار أن الأساطير تنتمي إلى زمن عريق، ومن ثم انتشرت بأشكال أخرى بفعل التواصل بين القارات كالسفر والهجرة وغيرها. لقد أصبحت الأساطير الإغريقية مقارنة بغيرها تفسر على أنها مشتقة من المدونات الأدبية ومن تشكيلها الأساسي كقصائد ملحمية، وتعد ملاحم هوميروس مجموعة متقنة من أنواع الأساطير المليئة بالخرافات والحكايات الشعبية.
نظريات حديثة:
بدأت أبرز التطورات الحديثة للأساطير في القرن التاسع عشر، حيث قام علماء مثل السيد جيمس فريزر والسيد أدوارد بيرنت تيلور بمناقشة علم الأساطير على أنها منظومة اجتماعية وليست تاريخًا فاسدًا، ودعوا إلى الاهتمام بخرافات المجتمعات البسيطة المعاصرة، وباعتبار أن بعض الخرافات تحمل سمعة سيئة بسبب احتوائها على الأفكار الساذجة والعرقية، فقد فرضت النظريات المتطورة لتايلور وأندرو لانغ أن هناك إلى درجة ما عقليات وحشية، وهي ما تسببت في ظهور مثل هذه الحكايات. بينما ناقشت نظريات حالية أن هذه الخرافات قامت على أسس نفسية وعاطفية وربطتها بالدوافع الدينية، وبالنسبة لفريزر صاحب كتاب “الغصن الذهبي” (1890) الذي ساهم في تغيير مجرى التاريخ والذي أصبح من الأعمال الثابتة عن علم الأساطير، رأى أن جميع الأساطير والخرافات مرتبطة في أصلها بفكرة الخصوبة في الطبيعة والموت والمولد، وإحياء الأرض بعد موتها باستمرار. واعتقد المحلل النفسي كارل يونغ أن هناك نزعة فطرية لدى جميع البشر على ابتكار رموزٍ متعلقة بهذه الأساطير، ولكن العالم الديني ميرسيا إيلياد قد رجّح بأن الخرافات تُروى دائمًا كشعيرة من أجل إعادة إحياء بداية الزمان وفجر التاريخ عندما بدأ الخلق، حتى يتسنى للمرء أن يعود ليتفكر في أصل هذا الصنع الإبداعي الناجح. أما أولئك الذين وصفوا كل ما هو معتاد بأنه يتسم بالدونية والدنس، فقد رأوا أن الخرافات هي خطابات مقدسة مما يجعلها تمثل شكلًا من أشكال الشعائر الدينية الكونية، وهكذا وصففريدريك شلايرماخر الخرافة بأنها “تصوير تاريخي لما هو إلهي وفوق تاريخي”.
يقوم طلبة علم الأساطير المعاصرين في وقتنا الحالي بتوجيه التركيز على السياقات المختلفة التي ظهرت فيها الخرافات عوضًا عن محاولة تفسير أوجه التشابه بين محتوياتها. فهم يؤمنون بأن الخرافة يمكن أن تؤثر على ثقافة معينة بطريقة جديدة، كما يمكن أن يختلف تأثيرها من ثقافة إلى أخرى. ويرى فرويد سيغموند أن اللامنطقية التي تتميز بها الخرافات قد تسبب بها نفس المصدر الذي يجعل الأحلام غير مترابطة; فجميعها انعكاسات مجازية للمخاوف المكبوتة والقلق اللاواعي. فالقلق والمخاوف قد يمثلّان جانب كوني موحد في تركيبة الإنسان، أو جانب محدد لتمييز المجتمعات عن بعضها. بينما اعتبر عالم الإنسانيات برونيسلو مالينوفسكي أن جميع الخرافات هي أدلة على ممارسات وأعراف قد وجدت سابقًا. وعلى غرار ذلك، فقد بحث رادكليف براون عن كيفية تشديدها وتكرارها لمعتقدات المجتمعات وشعوبها ومشاعرهم وأخلاقياتهم.
وقد عاد كلود ليفي ستروس إلى دراسة جميع الخرافات بالتركيز على خصائصها الأساسية عِوضًا عن تحليل العناصر والمواضيع التي غالبًا ما تظهر في محتواها. بالإضافة إلى أنه دعا إلى التركيز على تكرار ظهور حبكات معينة في محتوى مختلف من أنواع الأدب الفلكلوري، كما قد قلص نطاقها إلى متناقضات ثنائية محددة كالطبيعة والحضارة، والنفس والغير. وزعم أن دماغ الإنسان ينظم التصورات السائدة حسب تناقضاتها، ثم ختم استنتاجاته إلى أن بعضها يعد كونيًا، كما أشاد بأن مفهوم الخرافات ما هو إلا تحولات ثقافية خاصة لهذه الهيكلة الكونية.
المراجع:
See L. H. Gray and G. F. Moore, ed., The Mythology of All Races (13 vol., 1916–33); B. Malinowski, Magic, Science, and Religion (1948); J. Campbell, The Masks of God (4 vol., 1959–68); M. Eliade, Myth and Reality (1963); A. Dundes, ed., The Study of Folklore(1965) and Sacred Narrative (1984); C. Lévi-Strauss, Mythology (4 vol., 1969–81); P. Maranda, Mythology (1972); S. Thompson, The Folktale (1977); M. S. Day, The Many Meanings of Myth (1984); K. Armstrong, A Short History of Myth (2005).
The Columbia Encyclopedia, 6th ed. Copyright© 2017, The Columbia University Press.